الذى لا يقل خطرا عن ذبح المواطن السكندرى فى الأسبوع الماضى، أن نستخف بما جرى ونغمض أعيننا عن ملابساته ودلالته، صحيح أن القتل لم يعد خبرا مثيرا فى الزمن العربى الغارق فى الدماء، إلا أن التفاصيل تقدم لنا سردية أخرى للأحداث، فجرأة الأنظمة على ممارسة القتل باتت بغير حدود، والرئيس السورى قتل أكثر من ٤٠٠ ألف مواطن بدعوى أن معارضيه إرهابيون. وهو العنوان الذى صار بمثابة رخصة رسمية مفتوحة للقتل. ناهيك عن أن قتل المخالفين بات مقبولا فى أقطار عدة، حتى من جانب النخب التى شوهت الأجواء الملوثة ضمائرها. الشاهد أننا ما عدنا نستنكر القتل من حيث المبدأ، لكن الأمر بات يختلف باختلاف هوية القاتل أو المقتول، أو طريقة القتل، فنحن نستهجن وحشية داعش حين تقتل مخالفيها حرقا، لكننا نلتزم الصمت إذا قتلت الشرطة مواطنا تحت التعذيب أو قامت بتصفية برىء برصاصها قبل أى تحقيق أو محاكمة.
قتل صاحب المحل السكندرى فظيع لا ريب. لكنه لم يكن الأول من نوعه. ففى العام قبل الماضى (٢٠١٥) قتل فى القاهرة شيخ الطريقة الرفاعية أحمد الرفاعى بـ١٤ طعنة سددها إليه شخص قيل إنه وهابى، ولم يعرف مصيره بعد. وقبل ذلك (فى عام ٢٠١٣) قتل وسحل آخر، حسن شحاتة الذى وصف بأنه زعيم الشيعة فى مصر، حين هوجم ببيته فى زاوية أبوالنمرس بالجيزة، وقيل إن الذين نفذوا القتل والسحل سلفيون وهابيون اعتبروه «زنديقا». أما قتل صاحب محل الإسكندرية فله خلفية مغايرة، فالقاتل شخص منفرد لم يثبت انتماؤه إلى تنظيم أو توجه من أى نوع. ثم إنه أمى لا يقرأ ولا يكتب، وقد قرر من جانبه أن الرجل المسيحى مفسد فى الأرض لأنه يبيع الخمور وأنه بقتله يقيم عليه الحد الشرعى. أما طريقة القتل فهى الأبشع لأنها تمت ذبحا، مستلهمة فى ذلك أسلوب تنظيم داعش الذى أجرى التنظير له مؤلف كتاب «إدارة التوحش»، الذى نسب إلى شخص يدعى أبوبكر ناجى.
لا نعرف حقيقة ما جرى، خصوصا أن القاتل (اسمه عادل عسلية) ولسنا على ثقة من سلامة قواه العقلية. مع ذلك فإن بعض تفاصيل القصة تثير انتباهنا. من ذلك أن الرجل أمى لا يقرأ ولا يكتب، فضلا عن جهله المطبق بالأمور الشرعية، ومما يستحق التحقيق أيضا كيف اقتنع بحكاية الإفساد فى الأرض التى أوصلته إلى مسألة تغيير المنكر وإقامة الحد. ولم يجد لذلك سبيلا سوى احتذاء أسلوب داعش التى زعمت إقامة الخلافة الإسلامية، ومن ثم فعل فعلته النكراء. وهى أمور لا يعرف ما إذا كان قد التقطها من خلال البث التليفزينى أو أن أحدا ملأ رأسه بها.
هذه التفاصيل تعيد إلى أذهاننا فكرة «الذئاب المنفردة»، التى بمقتضاها يقوم بعض الأشخاص من جانبهم بعدوان أو هجوم دون أن تربطهم علاقات واضحة بتنظيم ما. (فعلها يمينى متطرف فى النرويج عام ٢٠١١ اسمه أندريه بريفيك، أراد أن يحتج على سياسة الحكومة إزاء المهاجرين، فألقى قنبلة على مخيم للشباب ثم فتح النار على من فيه وقتل ٧٧ شخصا).
هذه الخلفية تطرح عدة أسئلة منها مثلا: هل نحن بصدد الدخول فى محيط تلك الظاهرة؟ وهل أجواؤنا تسمح بذلك؟ وما الذى يتعين علينا أن نفعله لكى نجهض هذا النوع من السلوك والتفكير؟ أما السؤال الأهم فى نظرى فهو: ما هو الوعاء الذى يربى الشباب المسلم هذه الأيام لكى يصوب إدراكه ويصحح فكره بحيث يحصن ضد مثل هذه المنزلقات؟
إذا جاز لى أن أستبق وأعلق على السؤال الأخير فإننى لا أتردد فى القول بأننا انشغلنا جميعا بمحاربة التطرف والإرهاب، وجنينا كثيرا على الاعتدال، الأمر الذى سيكلفنا الكثير فى الحاضر والمستقبل.
أضف تعليقك