فى الحقيقة أن الانقلاب العسكرى الدموى قد تم بهدف القضاء على التيار الإسلامى، السياسى والدعوى، وجاءت إجراءاتهم الغاشمة لتؤكد ذلك؛ إذ فى ساعة إعلان استيلاء العسكر على السلطة يوم 3 يوليو 2013 تم غلق 14 قناة إسلامية دون استناد إلى قانون أو عُرف أو دستور.
ومن تلك الساعة وحتى كتابة هذه السطور لم يتوقف الانقلابيون عن غلق الجمعيات الأهلية الإسلامية، بادعاء إخوانيتها، كما لم يتوقفوا عن غلق المساجد، وتكميم أفواه الدعاة، ومنع أى صوت إسلامى فى وسائل الإعلام، ناهيك عن ملاحقة الجرائد والمواقع والصفحات التى يقول أصحابها والعاملون فيها “ربنا الله”.
وهذه الإجراءات وغيرها -وهى كثيرة لا يتسع المقام لحصرها- عطلت مسار الدعوة الإسلامية، ووضعت فيه العقبات والعراقيل، وعند أشد الناس تفاؤلا فإن هذا النظام العسكرى البئيس لو استمر -لا قدر الله- لسنوات فلسوف تكون المحروسة كإحدى دول الغرب انحلالا وابتذالا، ولسوف ينزوى الدعاة، ويضيع الشباب، خصوصًا أن هناك إصرارًا من قبل هذا النظام على إعلاء شأن النصارى والشيعة، وقد أطلق الحبل على غاربه للطائفتين للتبشير بدينهما المنحرف واستفزاز المسلمين ليل نهار.
وأنا أختلف مع من ينظرون إلى الأمر هذه النظرة المتشائمة؛ هذا لأن هناك تجارب سابقة، وفى مصر أيضًا، فعل العسكر الأوائل وقتها ما لم يفعله عسكر اليوم، وقد كان الرأى واحدًا هو رأيهم، وكانوا مدعومين من الدنيا كلها كعسكر اليوم، وكانت الخطة ألا يبقى فى مصر من يجهر بـ”لا إله إلا الله”، لكن خيب الله ظنهم، وهتك سترهم، وأحسن عاقبة أهل الحق الموحدين.
حكى إخوان 1954 أصحاب العشرات -أى من حُكم عليهم بعشر سنين عقب انقلاب 1952، ثم لما جاء وقت الإفراج عنهم تم اعتقالهم من جديد- قالوا: ظننا بعدما وقع من إجرام علينا وعلى الدعاة من قبل العبد الخاسر ورفاقه -أن الدعوة قد استؤصلت من مصر، بل ظننا أن الإسلام نفسه قد تم القضاء عليه، خصوصًا أننا كنا فى عزلة تامة عن العالم، حتى فوجئنا بآلاف الشباب يفدون إلينا فيما عُرف بتنظيم 65، وكانت مفاجأة، وكان عهدًا جديدًا، وكان هؤلاء وغيرهم نتاج الضغط الذى وقع على الدعاة، فجذب إليهم هذا الشباب الكريم، من غير الإخوان، والذى قاد مسيرة الدعوة فيما بعد.
ولما هلك المجرم الأول، قابيل العسكر، كانت الصحوة الإسلامية، وكانت يقظة الشباب، والتى لولا التضييق والملاحقة التى وقعت فى الخمسينيات والستينيات ما سمعنا بها، إلا بقدر الله، فوصلت الدعوة إلى القرى والكفور والنجوع، واقتحمت أحياء المدن، الغنية والفقيرة، وكان لها أتباعها ومناصروها من كل الطبقات، والتحق بها من كان يعاديها بالأمس القريب، وشاركت فيها المرأة بحظ وافر، وتخطت هذه الدعوة المباركة الحدود، فلم تعد محلية، بل صارت قطرية وعالمية.
إذًا، مستقبل الدعوة فى مصر مشرق بإذن الله؛ للسبب العقدى الذى ألمحنا إلى نتائجه، وهو أن الإسلام مستقر فى قلوب المسلمين، كمعدن الذهب فى باطن الأرض، قد يعلوه التراب ويدهمه الغبش، لكنه لا يصدأ، ولا يفسد، ولا تقل قيمته، وعند الاحتياج إليه يُستخرج من مكان دفنه، فإذا هو يلمع، كذلك فإن من خصائص الإسلام أنه إذا ترك تمدد واننشر، وإذا تم الضغط عليه تمدد أيضًا وازداد صلابة وشدة، وإن المحن والابتلاءات تجعلان أتباعه أشد ثباتًا وصمودًا فى مواجهة الشدائد، وأكثر تمسكًا بعقائدهم ومبادئهم.
فإذا أضفنا إلى كل ما سبق ظروف العصر ومستجداته، وإعلامه واتصالاته وتقنياته -أدركنا أن ما وقع إنما هو لصالح الدعوة أولا وآخرًا ولا شك فى ذلك، فإن العالم صار قرية صغيرة، والناس جميعًا صاروا إعلاميين وصحفيين وكتابًا، يصنعون الأحداث بأنفسهم، وإن من لم يسمع عن الإسلام وشمائله وفضائله، من المسلمين ومن غير المسلمين، ها هو قد سمع الرأى الآخر وتعرف إلى حقيقتهم دون تدليس أو تلبيس، وكم من لاه غير مهتم قد أظهر الاهتمام، وشارك فى الأحداث، وعلم الحق.. أفلا يكون بعد هذه كله تيارٌ عامٌ يناصر الإسلام ويفتدى دعوته؟! اللهم نعم.
أضف تعليقك