لديَّ نظرية خاصة تقول: إن كل نظام سياسي قبل أن يأتي إلى الحكم يجب أن يؤسس نظامه الإعلامي المحترف؛ ليحقق أهدافه من خلاله، به يحسّن صورته الذهنية لدى الجماهير ويشوه صورة الخصوم والمنافسين، وبه يستطيع الهيمنة على عقول الجماهير. ما حدث اليومين الماضيين يؤكد أن الانقلاب العسكري في مصر فقدَ بوصلته الإعلامية؛ فبعد موقف قساوسة نظامه الإعلامي القديم المخيب لآماله، قرر أن يمتلك أدوات ووسائل إعلامية خاصة بالمؤسسة العسكرية لتنضم هي الأخرى إلى ممتلكات العسكر مثل كثير من القطاعات الاقتصادية في الدولة.
ويسعى الانقلاب العسكري لتجديد الدماء في منظومته الإعلامية، وتكوين لوبي إعلامي يستطيع منافسة الخبرة الإعلامية لقساوسته القدامى الآبقين. وفي الوقت نفسه، يستطيع مواجهة آلة الإعلام الإخوانية الموجهة ضده طوال الوقت. اللوبي الجديد الذي يسعى العسكر لتكوينه سيحارب على جبهتين، كلتاهما تعمل في المجال ولديها خبرة تراكمية كبيرة. ولا شك في أن العسكر سيعتمد هذه المرة على رجاله المخلصين.
الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام يأتي في هذا السياق، حيث يؤكد أن القوات المسلحة المصرية اشترت قناة "العاصمة" من صاحبها سعيد حساسين يوم الأحد 15 يناير/كانون الثاني 2017، ويديرها الآن العميد محمد سمير المتحدث العسكري السابق، الذي لا يزال في الخدمة إلى هذه اللحظة.. وأعلنت شركة "شيري ميديا" المصرية، التابعة لجهاز المخابرات العامة، تسلّمها، رسمياً، إدارة شبكة قنوات "العاصمة".
وأعلنت مجموعة قنوات "دي إم سي"، المملوكة لجهاز الاستخبارات العامة، انطلاقها، مساء السبت 14 يناير، بميزانية معلنة بلغت 800 مليون جنيه، في حفل ضخم قُدرت تكلفته بملايين الجنيهات، بحضور عدد كبير من رجال الأعمال والإعلاميين والفنانين. هذا إلى جانب أنه يدعم رجال أعمال لشراء مؤسسات إعلامية كاملة، مثل "أون تي في" التي اشتراها أبو هشيمة من ساويرس المغضوب عليه.
إذاً، هناك احتمالان؛ الأول: هو أن العسكر يقلّم أظافر قساوسة إعلامه السابقين ليؤدِّبهم، وفي الوقت نفسه يظهر بصورة وشكل جديدين بإعلاميين جدد لا سوابق لهم. وهو في هذه الحالة، يسعى لبناء منظومة متكاملة؛ حتى يخرج من سيطرة قساوسة الإعلام القدامى ويعمل على تحجيمهم، وبعد فترة لن تطول سيتخلص منهم نهائياً بعد أن يلفظهم الشارع المصري تماماً؛ فهو يعلم ثقلهم ومدى تأثيرهم على عامة الناس.
الاحتمال الثاني: هو أن هناك نظاماً سياسياً جديداً يتشكل الآن ويبني مؤسساته الإعلامية التابعة له التي ستعمل في خدمته. فالسيناريو الأقرب لإنهاء الأزمة المصرية والانقلاب المصري بشكل مقبول ويرضي جميع الأطراف؛ هو أن يحدث انقلاب عسكري على السيسي ويتراجع الجميع خطوة للوراء. ومن ثم، فإن النظام الجديد يسعى لامتلاك أدواته الإعلامية من الآن؛ حتى لا يكون تحت رحمة القساوسة القدامى.
الأيام المقبلة ستشهد هجوماً عنيفاً على رموز إعلامية مصرية بشكل عنيف، ولِمَ لا؟ فدورهم في دعم الانقلاب انتهى وأصبحوا عبئاً عليه، ومن ثم التخلص منهم واستبدالهم هو الحل الأمثل. الأيام المقبلة، العسكر لن يحتمل أن يسمع انتقاداً واحداً حتى ولو من أحد رجاله أو المقربين منه، سيكون مصيره مثل مصير إبراهيم عيسى وقبله محمود سعد والقائمة طويلة.. فهي رسالة "من ليس معي فهو ضدي".
العسكر يحاول السيطرة على كل المنافذ الموجودة داخل مصر حتى الإعلام بمساراته المتنوعة. لذلك، لا تتعجب إن سمعت عن انتخابات مبكرة لنقابة الصحفيين، أو طبخ قانون خاص بالإعلام على هوى العسكر في برلمان العسكر. ولا تتعجب إذا أصبحت يوماً فلم تجد ماسبيرو؛ فهو عقبة أمام العسكر بخسائره الفادحة وعمالته الفاشلة. قريباً جداً سنسمع عن شبكات إعلامية كبيرة أضحت تحت سيطرة العسكر، وسيختفي اللوبي القديم ليحل محله لوبي جديد ولكنه مخلص لسيده.
الأزمة التي ستواجه العسكر ستتمثل في إجادته العمل الإعلامي وطريقة إدارته. فمثلاً، الصفحة الرسمية لقائد الانقلاب السيسي تدار بشكل بدائي جداً وغير محترف، وهذا طبيعي في ظل العقلية العسكرية التي تسعى لكل شيء بذراعها ولا تحترم التخصص ولا المهنية في أي شيء. ثم عليه أن يواجه قساوسة الإعلام الذين نفضهم خارج ساحته، وإن كانت السيطرة عليهم سهلة بما يمتلكه ضدهم من أوراق ضغط، هم يعرفونها جيداً.
فانتظروا إنا منتظرون.
أضف تعليقك