كانت النكتة المتداولة في تلك الأيام من شتاء 2011 الساخن، أن حسني مبارك قرر أن يلعب بطريقة "الهجوم خير وسيلة للدفاع" ويطالب الآن بإسقاط الشعب، بعد أن دخلت ثورة يناير أسبوعها الثاني، والحشود المليونية ترج الميدان، ولا مجيب.
في صباح 31 يناير/كانون الثاني كتبت تحت عنوان "الرئيس يريد إسقاط الشعب" حيث كنا نتندر في ذلك الوقت قائلين إن "مبارك، رداً على جمعة الغضب وجمعة الرحيل ويوم الشهداء وأسبوع الصمود، حدد يوم القيامة موعدا للتنحي".
"سمعها مبارك بأذنيه ورآها بعينيه: الشعب يريد إسقاط الرئيس، ورغم ذلك هو متمسك بالكرسي لا يريد أن يتزحزح عنه، ومن ثم لا أمل إلا أن يغادر الشعب المصري كله، ويتركه يتمتع هو ومن يختار من الأصفياء بمصر كلها" هكذا علقت.
الآن وبعد ست سنوات وشهرين كاملين وأسبوع، رحل الشعب الثائر، إلى المنافي والقبور والسجون، وصحاري الإحباط واليأس والعجز القاحلة، وبقي مبارك، شامخاً كقضائه، متفرغاً لملاحقة الشعب، واستعادة أمواله المجمدة.
يتدلل مبارك، في قصره المستعاد، يبتسم ساخراً من الشعب، ويملأ وقت فراغه بإطلاق النكات وإقامة الدعاوى القضائية، لاسترداد أمواله وعائلته، إذ عاد النجلان لممارسة نشاطهما الرياضي والاجتماعي، فيما تتم عملية استعادة زمن مبارك، بأدق تفاصيله.
بعض رجاله عادوا وزراء، وبعضهم خرج من السجون ليعمل في المحاماة، ويدور على الفضائيات، ولم لا، وولده، من صلبه العسكري، يجلس على رأس السلطة، وولده الآخر، وزير خارجيته، صار أميناً للجامعة العربية، ورجاله في الصحافة والإعلام يحكمون سيطرتهم على الفضاء والأرض، و"مكرمه العجوز" يعود رئيساً للمجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، ونقابة الصحافيين تعود كما كانت في عصره، تحت السيطرة العسكرية الأمنية.
ماذا بقي إذن من مطالب وأحلام، رفعها وناضل من أجلها مبارك، رداً على الذين هتفوا برحيله، وأجبروه على التنحي، أو التخلي المؤقن، في يناير/كانون ثاني 2011؟!
بقي لمبارك، وزمانه، ما يلي:
- عودة صورة سوزان مبارك تتصدر الغلاف الأخير لكل إصدارات وزارة الثقافة وهيئة الكتاب، باعتبارها ربة الثقافة المصرية.
- عودة حسن شحاتة لتدريب المنتخب الوطني لكرة القدم.
- عودة فاروق حسني وزيراً للثقافة، ومنتدباً للاضطلاع بشؤون أناقة العائلة.
- استعادة معارضة الحديقة الخلفية للقصر، التي هندسها بمقاييسه الخاصة وورسم لها خطوط ملعبها، من منافيها، لكي تضفي على المشهد بعض الإثارة، كسراً للملل.
لا يريد مبارك العودة إلى الحكم، هو الآن في وضعية أكثر راحة من مباشرة أعمال السلطة، بينما هناك من ينفذ مشروعه، بحذافيره، ويقوم بدور الكنز الاستراتيجي، على نحو أكثر وضوحاً وصراحة، مما كان يسعى إليه.
ينظر بكل الرضا، ويكتم ضحكة ساخرة من أولئك الذين يتوهمون أن صراعاً خفياً يدور بين دولة مبارك، ودولة السيسي، بينما العلاقة بينهما لا تختلف عن علاقة الشحرورة الراحلة صباح بأمورتها الحلوة "هويدا" التي تراها الأحلى والأطعم بكثير.
والحال كذلك، لم يبق إلا أن يعينوا مبارك رئيساً للمجالس القومية المتخصصة، أو رئيس هيئة تشخيص مصلحة النظام، أو عمدة للعاصمة الإدارية الجديدة، لكن قبل ذلك أظنه سيطالبهم بأن يفتحوا له الميادين، ليلتقط صورة"سيلفي" مع دبابة في ميدان التحرير، صحبة عماد الدين أديب وذلك الممثل ثقيل الظل والوزن.
أضف تعليقك