• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

شارك صبرى عبد العال الموظف السابق بالمعاشات والذى تجاوز السبعين من عمره حاليا، في رحلة لنادى المعادى إلى مدينة العريش، وفي الصباح وبعد إفطار أعضاء الرحلة لاحظ وجود كميات متبقية من الطعام، فقام بعمل سندوتشات من تلك المأكولات، وكانت معه جريدة فقام بتقطيعها لعمل لفات لتلك السندوتشات.
 
لاحظ أعضاء الرحلة خاصة من اللواءات السابقين وبعض سيدات المجتمع ما يحدث من الرجل، فتقززوا من المنظر وكادوا يطلبون من مشرف الرحلة استبعاده من الفوج، ولكنه استمر في عمل السندوتشات ولفها بورق الجريدة ووضعها في كيس بلاستيك، وكانت هناك جولة بعد الإفطار لأعضاء الرحلة بمدينة العريش، وكلما شاهد صبرى كناسا أو عاملا مد يده للكيس وأعطاه لفافة حتى نفدت الكمية.
 
وفي صباح اليوم التالى وبعد أن انتهى أعضاء الرحلة من الإفطار، قام بتكرار تجميع الأطعمة المتبقية لعمل سندوتشات منها، وهنا اختلف المشهد من قبل البعض حين قال له بعضهم تحب نساعدك يا أستاذ صبرى؟!
 
 ضرب صبري عبدالعال المثل في أن تحسين معيشة الفقراء ممكن بنفقات بسيطة، وأن إسعاد البشر لا يتكلف الكثير.  
ولصبرى عبد العال خبرات في العمل الخيرى الميدانى تراكمت عبر عشرات السنين، حيث يرفض إعطاء صدقة ويصر على مشروعات تتكسب منها الأسر، وعندما يصحب نفرا من أهل الخير في جولاتهم بالمناطق الفقيرة لتوزيع بعض المأكولات، يسير في الخلف قائلا أنه يبحث عن عمود للخيمة.
 
وبسؤاله عن المقصود بعمود الخيمة، يرد عليهم بأنكم وفرتم أطعمة لتلك الأسرة اليوم، ولكن ماذا ستفعل تلك الأسرة غدا؟ لذا يتقصى عن مدى إمكانية عمل الأرملة أو ابنتها أو ابنها ويوفر لهم التمويل لعمل مشروع يتناسب مع خبراتهم والمنطقة التي يقيمون فيها، وقد يكون هناك ابنا أو بنتا بالتعليم فيعنها لإكمال تعليمها كاستثمار، ثم يكرر زياراته لهم لمتابعة سير المشروع.
 
مشروع بمائة جنيه
ولأنه يتقصى عن خبرات الفقراء ومدى ما يناسبهم فإنه أحيانا ما يوفر فرص للعمل بأقل تكلفة ممكنة، فذات مرة كان يتفقد حالة إحدى الأسر الفقيرة التي تعيش في حجرة واحدة، ولاحظ وجود قدرة فول من الحجم الصغير في أحد جوانب الحجرة، فسألهم عن سبب وجود القدرة، فقال الزوج بأنهم كانوا يصنعون الفول المدمس ويبيعونه.
 
فسألهم هل تستطيعون تكرار نفس النشاط؟ وعند وجد قبولا، سأل عن سعة تلك القدرة الصغيرة، قالوا 2 كيلو فول حصا، وكان سعر الكيلو وقتها 3.5 جنيه، فأعطاهم عشر جنيهات لشراء الفول الحصا لإعادة النشاط.
 
وكرر زيارتهم فوجد الرجل يبيع الفول بالفعل على ناصية الحارة، وبعد أسابيع وجد الزوجة تمسك بمقلاة لعمل الطعمية، وأخذ حجم المشروع يكبر، وعندما شاهد الزوجة في إحدى المرات وهي تبيع الطعمية تتكلم في الموبايل الخاص بها اطمئن على نجاح المشروع.
 
وهكذا فهو يدرس النشاط الذي تستطيع السيدة الفقيرة ممارسته، فقد يناسبها أن يشترى لها قفص جوافة وميزان، مما كان لا يكلفه سوى أقل من مائة جنيه وقتها، أو بيع الخبز أو الخضر أو الفاكهة أو تخليل الزيوت ونحو ذلك.
 
ذهب الأستاذ صبرى مع صديق له لتفقد بعض الأسر الفقيرة بمنطقة عزبة جرجس بشبرا، وكان من بين تلك الأسر شابة كبيرة لم تتزوج، فسألها عن مصدر رزقها فقالت أنها تشترى صينية من كسر التورتة من شارع باب البحر بمنطقة رمسيس وتبيعها للأطفال بالحارة.
 
وسألها عن ثمن تلك الصينية فقالت: 12 جنيها فأعطاها عشرين جنيها لشراء صينية أخرى لتوسيع النشاط، ورأى صديقه أن المبلغ قليل، لكن صبرى رد عليه بأنه يتفق مع قدراتها البيعية ومع المنطقة التي تبيع بها، ولو كانت لديها قدرات أكبر لأعطاها مبلغا أكبر.
 
تشجيع المنتجات المحلية
وللسيد صبرى فلسفة مختلفة، فحين شاهد بعض أهل الخير ممكن كانوا يذهبون إلى منطقة الساحل لشراء بقوليات بالجملة لتعبئتها وتوزيعها على الفقراء، سعى نحو شراء كمية أكبر لتحقيق استفادة لعدد أكثر من الأسر الفقيرة، كان من رأيه أن يتم الشراء من نفس المحلات بالمنطقة التي يتم التوزيع بها، ولو بسعر أعلى، حتى يشعر البقال هناك أنه حقق مكسبا بسبب هؤلاء الفقراء، فتنشأ صلة مودة بينه وبينهم بحيث يمكن أن يساهم مستقبلا في مساعدة بعضهم.
 
ومن فلسفته أن يتم الشراء من أكثر من محل بالمنطقة التي سيتم التوزيع بها لتوسيع مجال الاستفادة بينهم، وأن يتم شراء منتجات مصرية لتشجيع الصناعة المحلية التي توفر فرص عمل للمصريين، وليس السلع الأجنبية التي توفر فرص عمل لمواطنيها في بلدانهم الخارجية.
ويهتم السيد صبرى باللمسات البسيطة لتحسين حياة البسطاء، فحين يزور أسرة فقيرة فإنه يتفقد مرافقها، فقد يجد زجاج شباك مكسورا فيقوم بشراء الزجاج المطلوب من نفس المنطقة، وقد يجد عطلا كهربيا أو لمبات غير صالحة فيجلب كهربائى من نفس المنطقة لإصلاح العطل، ويشترى اللمبات الناقصة.
 
وقد يكون المطلوب سريرا أو دولابا للملابس أو حنفية، وهكذا قد يكون المطلوب إصلاح باب الحجرة أو شباكها أو باب دورة المياه، فيجلب نجارا من المنطقة لعمل اللازم لإدخال السعادة على تلك الأسرة بلمسات بسيطة.
 
وعندما يجد بيوتا لا تصل إليها مواسير المياه النقية ومازالت تجلب المياه من الحنفيات العمومية، فإنه يتكفل بتوصيل مياه الشرب إلى تلك البيوت، وعندما يجد دورات مياه بمساكن الفقراء بلا أبواب فإنه يجلب لها الباب المناسب ويقوم بتركيبه.
 
ثمرة لكل مريض
ولا يستنكف صبرى عبد العال من أخذ الملابس المستعملة أو الأحذية المستعملة من المتبرعين أو شنط مدرسية مستعملة، ويقوم بإصلاح عيوبها ثم يقوم بتوزيعها على المحتاجين، أعطاه ذات مرة أحد الصحفيين كمية من الجرائد القديمة.
 
وشاء الله أن تكون لديه زيارة لرجل بإحدى مناطق شبرا بعدها، فوجد الرجل ينام على البلاط في الشتاء، فقام بفرش ما معه من جرائد على الأرض لينام عليها الرجل، والذى امتن كثيرا من تلك الفرشة التي قللت جزئيا شعوره بالبرد القادم من بلاط الحجرة.
 
ويتفق السيد صبرى مع بعض البقالين لإعطاء سلع غذائية بأسعار مخفضة لبعض الأسر الفقيرة في شكل حصص شهرية، بحيث يتحمل هو فرق السعر، وهو ما يرفع الحرج عن الأسر أمام الزبائن.
 
ويحرص على أن تدفع الأسرة التي يوزع عليها البطاطين في الشتاء مبلغا مقابل البطانية ولو خمسة جنيهات، بحث تبدو أنها قد اشترت البطانية ولم تأخذها كصدقة، وفي الوقت نفسه فإن المبالغ المحصلة يتم ترجمتها في شراء عدد إضافى من البطاطين.
 
 رغم سنه المتقدمة وآلام عظام ساقه، فإن جولاته لعمل الخير في صمت لم تنقطع.  
وفي جولاته الريفية يحرص على توزيع شتلات الفاكهة على البيوت لتقوم بزراعتها خارج المنزل، حتى توفر لهم مستقبلا ثمارا من المانجو أو غيرها، ولقد استطاع من خلال خبرته أن يشترى شتلة المانجو بسبعة جنيهات، وكلما توافر لديه بعض المال – حيث لا مورد له سوى معاشه الحكومى - اشترى عددا من الشتلات ووزعها. وهو نفس الأسلوب حينما يتوافر لديه بعض المال فيذهب لسوق العبور ويشترى كمية من الفاكهة، ثم يذهب إلى أحد العنابر بمستشفى الأمراض العقلية بالعباسية ليقوم بإعطاء ثمرة لكل نزيل داخل العنبر.
 
بحكم عمله السابق كمفتش بالتليفونات طاف كل المحافظات وزار الكثير من القرى، وكان يترك تذكارا في تلك القرى، وقد يكون هذا التذكار في السابق عمل توصيلة ماسورة دش في إحدى دورات المياه بمسجد القرية كى يستحم الفلاحين – الذين ليست لديهم مياه نقية بمنازلهم - من خلاله.
 
ورغم سنه المتقدمة وآلام عظام ساقه، فإن جولاته لعمل الخير في صمت لم تنقطع، ضاربا المثل في أن تحسين معيشة الفقراء ممكن بنفقات بسيطة، وأن هناك فرص عمل للفقراء يمكن توفيرها بتكلفة زهيدة، وأن إسعاد البشر لا يتكلف الكثير، حين يداوم على زيارة بعض أسر مستعمرة الجذام في أبو زعبل، يتبادل معهم الحكايات ويشرب معهم الشاى ويدخل السرور عليهم بتوفير بعض احتياجاتهم.

أضف تعليقك