قال لوالده: "تعالى شرفني"، فرد عليه: "عندما يموت من يعرفني"؟!
هل يعبر هذا المثل الشعبي المصري على بساطته عن حالة عبد الفتاح السيسي، وهو ينكل بالرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، في مكان احتجازه أو اختطافه؟!
فالشخص الذي صار رئيساً بالغدر والخيانة، لم يستطع إلى الآن أن يشعر أنه "كبير"، مع أنه يجلس على أعلى كرسي في البلاد، بما يستتبع هذا من سماحة، فالكبير هو الذي يسامح ويعفو، ومن هو دونه هو الذي ينتقم، ويجد لذة خاصة في التنكيل بخصمه في لحظة ضعفه عندما يفتقد للقوة، ويصبح وهو يمارس التنكيل في سجونه قزماً في قامة رجل الشرطة، أو ضابط المباحث؟!
في الأسبوع الماضي صرخ الدكتور محمد مرسي، من خلف القفص الحديدي العازل للصوت، ومع ذلك فصوته وصل إلى خارجه، فأرق الضمير الإنساني وهو يقول إنه منذ أربع سنوات لم يلتق أهله، أو يزوره محاميه، وأن حياته معرضة للخطر، وإذا كان القاضي المغلوب على أمره، لم يجد في هذه الشكوى ما يزعج ضميره، فإنها لابد من أن تؤذي مشاعر أي كائن حي، وليس صحيحاً أن الأمر خارج سلطة القضاة، فقد أناط الدستور بهم في المادة (56) الإشراف على السجون، لكن هذه الدوائر المختارة لافتراس الخصم السياسي، تخلت عن الاختصاص المعقود لها، وصارت امتداداً طبيعياً للأجهزة الأمنية، في مرحلة أصبح القانون فيها في إجازة!
أتفهم أن ينتقم عبد الفتاح السيسي من الإخوان، فهو مدفوع بذلك بخوفه على مقعده الذي لو فقده، فإنه لا يستبعد محاكمته على الجرائم التي ارتكبها، ثم أن هذا الدور مكلف به دوليا وإقليميا، ويستمد للقيام به شرعيته؛ فمهمته هى القضاء المبرم على جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لكني لم أتفهم هذا الحرص على التنكيل برجل لم يسئ إليه مرة، بل إن جريمته في أنه وثق في من لم يكن أهلاً للثقة، وقام بترقيته رتبتين عسكريتين من اللواء، إلى الفريق، والفريق أول، ثم عينه وزيراً للدفاع، وإذا كانت الدعاية قامت على أن هذا شرط المشير محمد حسين طنطاوي لقبول إقالته، فالسيسي يعلم – بطبيعة الحال – أن تعيينه في هذا المنصب، جاء بالإرادة الحرة للرئيس.
وعندما كان هناك من يحرضون الدكتور مرسي على السيسي، كان يدافع عنه، ولم يسئ إليه يوماً، وعندما احتد عليه ذات يوم عندما دعا السياسيين لاجتماع، فإن دموعه كانت حائلا دون استمرار هذه الحدة، وقبل الرئيس بسهولة الإدعاء بأن هذه الدعوة كانت محاولة من وزير دفاعه لإصلاح ذات البين؛ بينه وبين هذه القوى!
وحتى آخر لقاء قبل الانقلاب، في يوم 2 يوليو 2013، كانت الصورة تشير إلى أنها جلسة لأهل البيت الواحد، وقد ضمت الرئيس ورئيس حكومته ووزير دفاعه، الذي كان يجلس على أطراف كرسيه، في الوضع احتراماً لصاحب المكان!
في المحاكمة، وقد رفع الرئيس صوته فوصل للقاضي ووصل للناس، لم يذكر مع الخيانة عبد الفتاح السيسي على طرف لسانه بما يكره، ورغم تعليقات محاميه سليم العوا الاستفزازية، في اللقاء الأول والأخير الذي جمعهما في المحكمة، فإن الدكتور محمد مرسي لم يقل في السيسي ما يسيء إلى شخصه، وقد تبين أن اللقاء كان مسجلاً بالصوت والصورة!
السيسي هو الذي خان، وهو الذي انقلب، ومع ذلك فهو الذي ينكل وينتقم وربما يجد متعة في هذا، فيمنع عنه الزيارة، ويمنع عنه أن يلتقي بمحاميه، ويجري التضييق عليه في محبسه لدرجة الإعلان عن أن حياته في خطر!
ولم تكن هذه هى المرة الأولى، فقد سبق هذا شكوى أخرى من وراء القفص الحديدي، ولم يتم التحقيق فيها أو الالتفات إليها.
الدستور في المادة (54) يوجب على السلطة المختصة أن تبلغ فورا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويجري تمكينه من الاتصال بذويه ومحاميه فورا، وهى مادة جرى إهدارها من أول لحظة لاسيما فيما تقر من حقوق للمتهم من تقديمه إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته، وألا يجري التحقيق معه إلا في حضور محاميه!
وتنص المادة (55) من الدستور على أن كل من يقبض عليه أو يحبس تقيد حريته يجب أن يعامل معاملة تحفظ عليه كرامته ولا يجوز تعذيبه أو ترهيبه أو إكراهه ولا إيذاؤه بدنيا، ولا يحبس في مكان غير لائق أو غير مخصص للحبس!
لاحظ أننا هنا نعامل الرئيس المنتخب معاملة المتهم العادي، فهناك إجراءات لمحاكمة رئيس الجمهورية، ومع ذلك فهذه النصوص الخاصة بالمتهم العادي جرى إهدارها من أول يوم، ما جعل من الرئيس في حكم المختطف لأنه لم تتبع معه هذه الإجراءات، لكن يظل التنكيل به محرضاً للسؤال لماذا يفعل عبد الفتاح السيسي هذا مع رجل لم يوجه إليه إساءة يوما!
نعلم أن السبب في الأجواء غير المسبوقة لمحاكمة الرئيس محمد مرسي، ووصلت إلى حد عزله في القفص عن الآخرين، ومنعه من الحديث، والوقوف خلف قفص عازل للصوت، حيث كان يُخشى من أن صموده يمثل هزيمة لرجل مهزوم بالفطرة اسمه عبد الفتاح السيسي، لكن هل لهذا الصمود معنى الآن؟.. وماذا يمكن أن يضيف لدى أتباعه إن قال لهم أنه متمسك بشرعيته، وهم يتعاملون على أن حق التنظيم الدولي في لندن في العيش الكريم مقدم على شرعية مرسي، الذي هو في وضع تنظيمي أدنى من إبراهيم منير وإخوانه، لاسيما وأن تنظيم الإخوان يرى أن شهادة البريطانيين بحسن السير والسلوك، أهم من حكم مصر!
وما الذي سيخسره عبد الفتاح السيسي إن وفر للدكتور محمد مرسي سجناً إنسانياً وأمر بحقه في زيارة أقاربه كما ينص القانون لأي متهم عادي، ولا نطلب بالحقوق التي كانت ممنوحة لأركان النظام البائد، حيث كانت سوزان مبارك تزور بعلها ونجليها في أي وقت، وكان حبيب العادلي يكلف مأمور السجن في منتصف الليل بأن يرسل سيارة من السجن لكي تصطحب وحيده لكي يلاعبه!
لن أذهب بعيداً، فالرئيس السادات، وقد كانت هناك مؤامرة ضده تستهدف الإطاحة به، ويقودها قيادات الدولة ومن وزير الحربية إلى وزير الداخلية مروراً بعدد من الوزراء الآخرين منهم وزير الإعلام ومعم رئيس البرلمان، وقد استمع للأدلة بنفسه ولم ينفها الضالعون فيها!
لقد "تغدى" بهم السادات قبل أن "يتعشوا" به، ومع ذلك فقد ضمن لهم سجناً كريماً، وذات مرة وشى أحد الوشاة بأحد مطربي المرحلة، الذين كانوا ضمن من يستدعيهم السادات لساعات السمر الليلية، وقال الواشي إن المطرب خان الرئيس ويزور وزير الإعلام الأسبق محمد فائق في محبسه بصورة شبه أسبوعية. وسأله السادات عن صحة هذه المعلومات، فاعترف المطرب بزيارته، وقال لقد كان هذا الوزير هو أول من قدمني للناس عبر التلفزيون. ليعلق السادات أمام الجلساء ومن بينهم هذا الواشى وصفاً للزائر بأنه "رجل"!
وفي أحداث سبتمبر 1981، وكان واضحاً أن السادات في حالة غضب كان يظهر في خطبه ومع ذلك سمح لزوجة محمد حسنين هيكل بأن ترسل له الوردة التي كتب عن هيكل في كتابه "خريف الغضب" يومياً، ولم تكن العلاقة بين الكاتب والرئيس على ما يرام، بل وصلت إلى حد احتقار السادات له، فقد اعترض على نشر اسمه في العناوين الرئيسة للصحف صبيحة يوم الاعتقال بجانب اسم فؤاد سراج الدين، وقال لإبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام: فؤاد هذا باشا.. فمن هذا الذي تضع اسمه بجانب الباشا؟!.
لقد بلغ السادات أن فؤاد سراج الدين ولضخامته الجسدية لا يستطيع الجلوس على الأرض في محبسه فأمر بإدخال كرسي له وتمكينه من "سيجاره" الشهير!
ولم يكن السادات وليا من أولياء الله الصالحين، لكنه فقط يفهم في الأصول، وينزل الناس منازلهم، فحتى وإن وجد ضرورة خاصة في سجنهم فيكفي هذا أداة لتشفي نفسه، فلا يسرف في الانتقام كما عبد الفتاح السيسي، فلماذا ينكل بالرئيس في محبسه؟!
كثير من التصرفات لابد من تحليلها نفسياً، وعند التحليل النفسي سوف يقف المحلل على أننا أمام عقدة نفسية، اسمها السيسي، فالرجل الذي بالغ في إظهار ضعفه وتزلفه، ينتقم من كل من رآه في موقف ضعف لم يفرض عليه ولم ينتظر منه، وقد كان يبالغ في نفاق الشيوخ الذين يلتقيهم مرسي، وبعد الانقلاب انتقم من كل من احترمهم، فإذا كان قد بادر مسرعاً لأن يفتح باب السيارة للشيخ محمد عبد المقصود، فقد وضعه في قضية قطع طرق قليوب ليصدر الحكم ضده بالإعدام!
لقد فعلها مبارك مع الشيخ محمد الغزالي وفتح باب السيارة له، لكن المخلوع لم يشعر أنه يفعلها ضعفاً، فقد تصرف تلقائياً، في لحظة حضور تربيته الريفية، بما تحمله من احترام لرجال الدين، فلم يشعر أنه تصرف ينتقص من قدره كرئيس، أو أنه فعله نفاقاً، أو لأنه نتاج خنوع في النفس، وضعف في الشخصية، أو لاضطراب في السلوك!
وتكمن مشكلة السيسي، في أنه بالغ في الإذعان للرئيس مرسي أكثر من اللازم، لذا فإنه ينفس عن عقده بالانتقام منه والتنكيل به في محسبه!
فلن يشعر السيسي بأنه رئيس إلا إذا تخلص من كل من رآه منكسراً، وتكمن المشكلة في أنهم كثر!
وكما قال ابن البادية: "تعالي يا والدي شرفني" فرد عليه في حسرة وألم: "عندما يموت من يعرفني"!
أضف تعليقك