يومها ( 13 / 6 / 1906م ) كان خمسة من جنود الاحتلال يقومون بصيد الحمام في قرية " دنشواي " ، وعندما طالبهم مؤذن القرية بالابتعاد عن الأجران التي يحوم حولها الحمام أطلقوا عليه النار فقتلت زوجة شقيقه " أم صابر " واشتعلت النار في التبن، فهجم الرجل على الضبابط وتجمهر أهالي القرية.
وأخذ الضباط في إطلاق النار نحو الأهالي وحاولوا الفرار إلا أن أحدهم أصابته ضربة شمس، وحاول الأهالي إنقاذه إلا أنه توفى متأثرا بإصابته ، ومن هنا بدأت حملة العقاب الجماعي للقرية .
شكل الانجليز محكمة من ثلاثة من المصريين لن ينساهم التاريخ في سجل عاره هم : بطرس غالي رئيسا وأحمد فتحي زغلول عضوا وإبراهيم الهلباوي الذي تولي مهمة النائب العام للدفاع عن موقف الضبابط الإنجليز .
أما بطرس غالي ( والد بطرس غالي أمين الامم المتحدة ) فقد كان وزيرًا لخارجية مصر في عهد المعتمد البريطاني لورد كرومر، ثم رئيسًا للوزراء، وكان عميلا للانجليز، فهو من وقع مع اللورد كرومراتفاقية الحكم المشترك للسودان بين مصر وبريطانيا، والتي كانت تعني انفصال السودان عن مصر للأبد، وهو ما كان يمثل خسارة إستراتيجية واقتصادية كبيرة لمصر، كما لعب دورا هاما في مد امتياز قناة السويس لمدة 40 عامًا أخرى .
وقد اغتيل عام 1910 م على يد أحد شباب الحركة الوطنية هو إبراهيم ناصف الورداني.
أما أحمد فتحي زغلول وهو الشقيق الأصغر للزعيم المصري الوطني ''سعد زغلول " ، فقد كان علمانيا بارزا وصدرت له أعمال في الترجمة والأدب والقانون ، وتمتع بعلاقة صداقة قوية مع اللورد كرومر ، وبعد مشاركته في محكمة دنشواي تمت ترقيته لمنصب وكيل وزارة الحقانية، وحصل على رتبة ''الباشوية''.
وأقاموا له حفل تكريم في فندق "شبرد"، وطلب مريدوه من الشاعر أحمد شوقي أن يشاركهم بقصيدة، فأرسل لهم مظروفاً مغلقاً، وفتحت لجنة الاحتفال المظروف فوجدت فيه :
إذا جمعتم أمركم وهممتوا بتقديم شئ للوكيل ثمين
خذوا حبال مشنوق بغير جريرة وسروال مجلود وقيد سجين
ولا تعرضوا شعري عليه فحسبه من الشعر حكمُ خطه بيمين
ولا تقرأوه في شبرد بل فاقرأوا على ملأٍ في دنشواي حزين
ومات فتحي زغلول في 1914 غير مأسوف عليه ولم يشر أحد إلى ذكراه .
أما إبراهيم الهلباوي أول نقيب للمحامين في مصر فقد خان مهنته وقرر الدفاع عن الجنود الإنجليز ضد أبناء وطنه وفعلا نجح ا في تبرئة جنود الاحتلال الإنجليزى من قتل "أم صابر" وحرق أجران القمح في قرية دنشواى، وإثبات أن الإنجليز هم الضحايا، وأن أهالى دنشواى هم المذنبون .
وقد قدم مرافعة لن ينساها التاريخ لرجل باع نفسه عبدا لسادته ، دفاعا عن الاحتلال وتمجيدا له ، وفي نفس الوقت تحقيرا لبني وطنه ، ومما قاله : " إن الاحتلال الإنجليزى لمصر حرر المواطن المصري وجعله يترقى ويعرف مبادئ الواجبات الاجتماعية والحقوق المدنية ، إلا أن هؤلاء السفلة وأدنياء النفوس من أهالي دنشواى قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنجليز بالعصى والنبابيت، وأساءوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنجليز بيننا خمسة وعشرون عاما ، ونحن معهم في إخلاص واستقامة " !
وترتب على تلك المرافعة إعدام أربعة وجلد اثني عشر واشغال شاقة لبقية المتهمين الذين بلغ عددهم 52 متهما.
بعدها لازم العار إبراهيم الهلباوي حتى آخر أيام حياته - الطويلة - ولم تشفع له عند المصريين مقولته الشهيرة" اللهم إنى استغفرك وأستغفر مواطنينا عما وقعت فيه من أخطاء شنيعه ".وعاش مطرودا منبوذا محتقرا بين قومه، وذكرت مجلة المجلات العربية عدد فبراير عام 1908 أن الهلباوي استقل باخرة إلى أوروبا، وكان أحد أمراء مصر على الباخرة، فسألته حاشيته عمن يريد أن يكون معه على مائدة طعامه، فأجاب : كل مصري على الباخرة ماعدا المدعو " الهلباوي".
وأوردت المجلة أن سعادة " حسين رشدي باشا " لما عين مديراً للأوقاف أراد لضرورة العمل أن يذهب لبيت الهلباوي، فلما علم سائق عربته صاح قائلاً : " هي حصلت تروح لبيت الهلباوي... أنا ماروحشي يا سيدي لو قطعت راسي!
ولكن الباشا كلفه بالذهاب رغماً عنه، فلما قابل الباشا " الهلباوي "، مد الهلباوي يده للمصافحة، فقال له الباشا جئتك في عمل مصلحي، وما جئت لأسلم عليك، ولا أقبل أن أكون أقل إحساساً من سائق العربة الذي امتنع من الحضور إلى منزلك !
هكذا تعامل الشعب المصري مع عملاء الاستعمار الذي قتلوا أبناءه الأبرياء البسطاء وخدموا علي مصالح الاحتلال وكانوا عبيدا له لقاء فتات من الدنيا .. وستظل لعنات التاريخ تلاحقهم دون توقف .
وبعد
ألا يقرأ هذه الصفحة السوداء من التاريخ ليتعظوا ، أولئك الذين يتكالبون ويهرولون لا نتزاع جزيرتي #تيران_وصنافير من جسد مصر عيانا بيانا ودون خجل !
أضف تعليقك