• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

قبل عامين، كان أحد عساكر الإعلام الفاسد في مصر يستضيف نائباً من نواب زمن حسني مبارك، محتفلاً ببطولاته من أجل الوطن، حين اصطاد نائباً آخر من طلائع قوات 30 يونيو، وسلّمه للشرطة، بتهمة الرشوة.

كان المذيع يرقص في الاستوديو فرحاً بالإنجاز. وفي الخلفية، تتردّد أغنية لعبد الحليم حافظ تقول "ابنك يقوللك يا بطل هات لي نهار.. هات لي انتصار".

اليوم المذيع، يؤدي مناسك الحج، على نفقة تيران وصنافير، والبطل الذي احتفى به في السجن، متهماً بالنصب والاحتيال.

منذ اخترعوا مسمى"المواطنين الشرفاء" أصبح الفساد في مصر محمياً بقوة السلطة، وسيداً ومدللاً، تُفتح له الأبواب والنوافذ، يدخل ويخرج بكلّ حرية، ما دام يلتزم بطقوس "تحيا مصر" صندوقاً كبيراً لإخفاء الجرائم والسرقات.

لم يُعرف عن نظام الثلاثين من يونيو أنّه ضد الفساد، بل على العكس من ذلك، هو نظام يمثل فرصة العمر للفاسدين، يفدون إليه من فج عميق، للمساهمة بفسادهم في خدمة وطن مسروق.

"كل الفاسدين مع السيسي" نطق بها سيساوي من الوزن الثقيل، بعد عام ونيف من صعود السيسي إلى قمة السلطة، وعندما تكون الشهادة من واحد من صانعي سيناريو زمن السيسي، المخرج محمد العدل، فإنّ لها وجاهتها، حتى وإن كان النصف الثاني من الشهادة يقول "وليس كل من مع السيسي فاسدين".

تنطلق جوقة إعلام السيسي هذه الأيام مردّدة "الزعيم يحارب الفساد" لمناسبة حبس السيدة نائب محافظ الاسكندرية، بتهم التربح والرشوة، وحبس نائب الجن والعفاريت، السابق، بتهمة النصب والاحتيال.

يريدون منك أن تصدق أنّ الشخص الذي أطاح برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، لإصداره تقريراً عن حجم الفساد المروّع، يحارب الفساد، عن طريق ولده، الذي قفز به مصعد الفساد إلى الأدوار العليا في الجهة المسؤولة عن الرقابة في البلاد.

مطلوب منك أن تقتنع بأنّ الرجل الذي عزل القاضي الذي تصدّى لجريمة التربح، السياسي والمادي، من بيع تيران وصنافير، يخوض حرباً ضد الفساد، وأن تردّد مع الجوقة أن الذي يطهّر القضاء من الشرفاء والاستقامة، يناضل ضد الفساد.

عليك أن تستأصل عقلك وتشعل النار في ضميرك، لكي تسلّم بأنّ السلطة التي تمارس أعمال السطو على ممتلكات معارضيها، وتستولي على الأموال والعقارات والمؤسسات الخاصة، التي أنفق أصحابها أعمارهم في بنائها، هي سلطة معنية بمقاومة الفساد.

النظام الذي اعتنق عقيدة استحلال المخالفين في ممتلكاتهم وأموالهم وأعراضهم، ووجودهم، كيف يمكن تصديق أنه ضد الفساد؟

يتناسى الذين يردّدون أناشيد الحرب على الفساد أنّ المرحلة برمتها ما كان لها أن تتأسس، لولا أفضال الفساد عليها، أو قل إنّ "30 يونيو" نفسها كانت بمثابة "ثورة رد الاعتبار للفساد" وفي ذلك قلت سابقاً إنّ تمويلات تمرّد فساد، وتسريبات الأرز فساد أكبر، وتزييف مقر اعتقال الرئيس محمد مرسي، كان عين الفساد، والتدخل، حسب التسريبات، من المؤسسة العسكرية في قضية سيارة ترحيلات معتقلي أبو زعبل، وقبلها تزوير ترجمة إجابات كاترين آشتون، في مؤتمرها الصحافي الشهير مع نائب رئيس الانقلاب في ذلك الوقت الدكتور، محمد البرادعي، وتزوير تقرير "العفو الدولية" عن معتصمي رابعة، بواسطة أول وزير خارجية لدولة 30 يونيو، نبيل فهمي، والتزوير والتحريف والتشويه والتوظيف للنصوص الدينية والفتاوى والأحكام الشرعية، لصالح عبد الفتاح السيسي، وإرضاء لشبقه للعب دور الزعيم الديني المصلح المجدد.. أليست هذه صور شديدة الوضوح والنقاء للفساد؟

القصة باختصار أنّها حرب على الفساد الصغير، يشنها الفساد الأكبر، كلما استشعر أن الصغير ينمو عن الحجم المسموح له به، وفقاً للبناء الهندسي لمنظومة الثلاثين من يونيو، ولا تشفع هنا الأدوار والخدمات التي أدّاها الفاسدون الصغار، وكوفئوا عليها ذات يوم، فالحاصل أن الفساد، كما الاستبداد، لا يشبعان أبداً، وكلما استشعراً جوعاً، التهما ما حولهما، وبما أنه لم يبق شيء للالتهام لدي معارضي الانقلاب ورافضيه، فإن المتاح هو أسراب الفساد، والاستبداد الصغير، تدرجاً من الأدنى إلى الأقصى، وصولاً إلى النزال الكبير داخل مملكة الكبار، وهذا لن يطول انتظاره، وسترى عجباً حين تتصارع الأفيال الكبيرة على حصص الثروة والسلطة، داخل نظام زاده الاستبداد والفساد.

أضف تعليقك