يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله) في بعض الأحيان تبدو المصادفة العابرة كأنها قدر مقدور، وحكمة مدبرة في كتاب مسطور.. حسن البنا.. إنها مجرد مصادفة أن يكون هذا لقبه .. ولكن من يقول : إنها مصادفة، والحقيقة الكبرى لهذا الرجل هى البناء، وإحسان البناء، بل عبقرية البناء).
لم يؤلف كتبا كثيرة ولكن ألَف وربَى وبنا كثيرا من الرجال وجعلهم كتباً متحركة مطبقة على أرض الواقع يفتح بهم القلوب والعقول والأفهام والأمصار كالغيث أينما حل نفع.
ربَى ونشَأ وألَف وبنا رجالا يتعارفون، يتحابون، يتألفون، يتآخون، يتعاهدون، يتفاهمون، يتكافلون، يتعاونون، يضحون، يتشابهون، يتشاركون، يغرسون، ينتجون، يبنون، يتنافسون، يبدعون، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ولكنهم ليسوا نسخا مكررة ولا قوالب جامدة.
تسمو هممهم لعنان السماء ويشغل تفكيرهم فكرة وعقيدة ووطن،
فرد وأسرة ومجتمع وحكومة وطنية ودولة حرة وخلافة وأستاذية
يفهمون معنى هتافهم الله غايتنا،هم جنود فكرة وعقيدة لا جنود غرض ومنفعة
وحدد الإمام البنا شخصية رجل الدعوة والفكرة والعقيدة (بأنه جندي عامل لا فيلسوف مجادل، كتيبة في ميدان لا كتاب في مكتبة، مكافح في معركة لا مفاوض على مائدة، وروح فذة لا عقل ألمعي، لا يراوغ كالثعلب ولا يلين كالثعبان، لا يختال كالطاووس ولا يتلون كالحرباء، لا يلعب كالقرد ولا يساوم كالتجار، لا يتعاظم كالممثل ولا يتوقر كالمشعوذ، بل يتحفز كالأسد، ويلين كالماء، ويزهو كالسيف، ويسمو كالنجم، ويعيش في الدنيا ولا تعيش فيه، ويأكل منها ولا تأكل منه، يموت ولا يأكل بشرفه "كالحرة تموت ولا تأكل بثدييها").
ووضع تصورا لشخصية المسلم الفذ وسعى لإيجادها على أرض الواقع فقال: (أستطيع أن أتصور المجاهد شخصاً قد أعد عدته، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدر الاستعداد أبدا إن دعي أجاب، وإن نودي لبى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه، وترى في بريق عينيه، وتسمع في فلتات لسانه, ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوىَ لاصق وألم دفين وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة).
دعوة التربية والبناء والتكوين لا يُصلحها ولا يصلح معها إلا النفوس المزكاة الطيبة النقية المخلصة الفاهمة العاملة المضحية المجاهدة الطائعة الثابتة المتجردة المتآخية والواثقة.
فتشمل الإنسان بجوانبه المختلفة اﻟﻌﻘﻠﻲ، واﻟﻮﺟﺪاﻧﻲ اﻟﺮوﺣﻲ، والمهاري اﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ﺣﺘى ﯾﺼﺒﺢ: "ﻗﻮي اﻟﺠﺴﻢ، ﻣﺘﯿﻦ اﻟﺨﻠﻖ، ﻣﺜﻘﻒ اﻟﻔﻜﺮ، ﻗﺎدرا على الكسب ﺳﻠﯿﻢ اﻟﻌﻘﯿﺪة، ﺻﺤﯿﺢ اﻟﻌﺒﺎدة، ﻣﺠﺎﻫﺪا لنفسه، ﺣﺮﯾﺼﺎ ﻋﻠﻰ وﻗﺘﻪ، منظما ﻓﻲ ﺷﺆوﻧﻪ، ﻧﺎﻓﻌﺎ ﻟﻐﯿﺮه".
وقد جمع الإمام البنا رحمه الله مبادئ الدعوة في خمس كلمات:
الله غايتنا ,الرسول قدوتنا ,القرآن شرعتنا ,الجهاد سبيلنا ,الشهادة أمنيتنا .
وجمع مظاهرها في خمس كلمات :البساطة ,التلاوة ,الصلاة ,الجندية ,الخلق .
فتؤثر في الإنسان وتشكل تكوينه وميوله واتجاهاته وقيمه، فتخرج نتاج تربوي بنفسيات مرنة متزنة ﺑﺴﯿﻄﺔ ﺑﻌﯿﺪة ﻋﻦ ﻛﻞ أﺷﻜﺎل اﻟﺘﻌﻘﯿﺪ، ﻣﻌﺮوﻓﺔ بوضوح الغاية وﻤﺘﺎﻧﺔ اﻟﺨﻠﻖ واﺳﺘﻘﺎﻣﺔ اﻟﺴﻠﻮك، ويقظة الضمير.
وعلى الأمة جميعا أن تسعي لذلك فليست التربية حكرا على أحد دون غيره
فقال رحمه الله: ﻛﻢ ﻣﻨﺎ، وﻟﯿﺲ ﻓﯿﻨﺎ، وﻛﻢ ﻓﯿﻨﺎ وﻟﯿﺲ ﻣﻨﺎ.
وقال أيضا "إن ﺗﻜﻮﯾﻦ اﻷﻣﻢ، وﺗﺮﺑﯿﺔ اﻟﺸﻌﻮب، وﺗﺤﻘﯿﻖ اﻵﻣﺎل، وﻣﻨﺎﺻﺮة اﻟﻤﺒﺎدئ: ﺗﺤﺘﺎج ﻣﻦ اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎول ﻫﺬا أو اﻟﻔﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻋﻮ إﻟﯿﻪ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ، إﻟﻰ ﻗﻮة ﻧﻔﺴﯿﺔ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻋﺪة أﻣﻮر: إرادة ﻗﻮﯾﺔ ﻻ ﯾﺘﻄﺮق إﻟﯿﻬﺎ ﺿﻌﻒ، ووﻓﺎء ﺛﺎﺑﺖ ﻻ ﯾﻌﺪو ﻋﻠﯿﻪ ﺗﻠﻮن وﻻ ﻏﺪر، وﺗﻀﺤﯿﺔ ﻋﺰﯾﺰة ﻻ ﯾﺤﻮل دوﻧﻬﺎ ﻃﻤﻊ وﻻ ﺑﺨﻞ، وﻣﻌﺮﻓﺔ ﺑﺎﻟﻤﺒﺪأ وإﯾﻤﺎن ﺑﻪ وﺗﻘﺪﯾﺮ ﻟﻪ ﯾﻌﺼﻢ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ ﻓﯿﻪ واﻻﻧﺤﺮاف ﻋﻨﻪ واﻟﻤﺴﺎوﻣﺔ ﻋﻠﯿﻪ،
واﻟﺨﺪﯾﻌﺔ ﺑﻐﯿﺮه. ﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻷرﻛﺎن اﻷوﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻫى ﻣﻦ ﺧﺼﻮص اﻟﻨﻔﻮس وﺣﺪﻫﺎ، وﻋﻠﻰ ﻫﺬه اﻟﻘﻮة اﻟﺮوﺣﯿﺔ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ، ﺗﺒﻨﻰ اﻟﻤﺒﺎدئ".
أضف تعليقك