كان يركب سيارته يسابق بها الريح كالعادة ويفكر فى أمواله وأولاده وفجأة ضربته سيارة مسرعة لترتطم سيارته بحائط خرساني وليجد روحه فجأة قد فارقت الجسد وصعدت إلى بارئها .
بقى الجسد تالفا مقطعا وقد بترت منه أجزاء .
لم يكن كل ذلك مهما فلم تعد هناك أي حاجة إليه ..
كأنها طائر كان محبوسا في قفص ثم خرج منه وحلق بعيدا . لم يعد يهمه من أمر القفص شيئا . كان جميلا أو قبيحا . كان نظيفا أو متسخا . كان غاليا أو رخيصا .
خرجت الروح منه وانتهى أمره وانكشف الغطاء ليرى كل شيء على الحقيقة بعيدا عن قيود جسده الضيق الذي كان محدود البصر محدود السمع محدود الحواس محدود القدرة على الحركة والسرعة والتنقل والإدراك والتفكير .
وجد نفسه فجأة خرج من الحبس الذي كان فيه إلى فضاء واسع واسع .
لا جاذبية ولا أرض ولا مكان ولا زمان ولا حاجة لطعام وشراب .
أصبح يرى كل شيء بوضوح . يرى بأبعاد كثيرة . يرى الكون والبشر والجن والملائكة .
لا يخاف النار ولا الماء ولا الرصاص ولا القنابل ولا الألم ولا الموت .
رأى دنياه التي كان فيها صغيرة كالنملة .
نظر لتلك السنين التي عاشها من بعيد كأنها يوم أو بعض يوم .
لم يكن الأمر يستدعى كل هذا القلق وكل هذه الهموم وكل هذه التضحيات وكل هذا الجري وكل ذلك الكذب من أجل تلك الأوراق التي تسمى المال . ومن أجل تلك الأشكال والألوان التي تسمى طعاما مع أنها كلها لا تختلف كثيرا عن بعضها وتؤدى نفس الغرض في استمرار ذلك الوعاء الذي يسمى الجسد في العمل .
لم يكن الأمر يستدعى كل هذا الخوف من الظالمين والمجرمين وكل هذه الحسابات لمواقفه مع الحق والباطل ومواقفه من الخير والشر فالأمر كله لا يعدو يوما أو بعض يوم .
رأى الطريق واضحا والخير خيرا والشر شرا والناس يندفعون بشكل جنوني فى طريق الشر ويجتمعون على محاصرة أهل الخير بل وحصار أنفسهم وتخزين السلاح الكافي لتفجير تلك الكرة الصغيرة التى يسكنونها جميعا .
ولكن كل ذلك من بعيد حيث لم يعد يملك فعل شيء . لا يملك أن يصرخ فيهم لينتبهوا ويخبرهم أن الأمر مختلف تماما عما يظنون .
رأى أولاده وضياعه وماله من بعيد أشياء صغيرة لا تكاد ترى ولا تحس ولولا انكشاف الغطاء وبصره الذي أصبح حادا فجأة لم يكن ليراها .
رأى أولاده وأولاد الآخرين الذين لم يتركوا مالا يسيرون فى نفس الاتجاه ويجرون بنفس الطريقة ويلبسون نفس الأجساد ويخلعونها وينضمون إليه حين يأتي الأجل .
لم يكن أولاده فى حاجة للمال الذي أنفق عمره فيه ولم يكن هو أيضا بحاجة إليه ظلم من أجله وتحمل أوزارا من أجله وأغضب الكثيرين من أجله ثم تركه وانصرف وسيتركه أولاده وينصرفون لعالمهم الحقيقي بعد انتهاء الحلم القصير .
عرض عليه شريط حياته كاملا بكل ما فيه من مواقف خزي وعار كثيرة ومواقف شرف وعبادات قليلة .
وقف وكأنه خارج من سباق كان يستطيع فيه أن يكون في المقدمة لكنه تكاسل وتشاغل ووقف يتسكع هنا وهنا ليتجاوزه الناس ويظل متأخرا لينتبه بعد فوات الأوان .
نظر للناحية الأخرى . رأى عالما كبيرا .
رأى أرواح القتلة الظالمين والسفاحين ومعاونيهم ترتجف تنتظر الحساب على بعد خطوات .
رأى جنة تستعد ونار تلتهب واستعدادات للعرض . ونهاية على بعد ساعات لتلك الكرة الصغيرة المسماة بالأرض ليبدأ الحساب على ما كان .
هناك حيث يرى العدل المطلق والقوة المطلقة والقدرة النافذة .
نظر ببصره الحاد ليرى كل ما فى الجنة من أجساد تختارها ولذة لم تخطر على باله وحياة مستمرة تستحق التضحية .
ورأى نارا تموج بالظالمين المجرمين يصرخون فيزداد اللهيب ويقولون رب ارجعون ولكن لا مجيب .
أضف تعليقك