• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

منذ أزمة الخامس من يونيو بين دولة قطر من جهة، وكلّ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين، إضافة إلى مصر من جهة أخرى؛ تداعت عشرات الدول لعرض وساطتها على طرفي الأزمة، بينما دول أخرى أجرت جولات مكوكية واتصالات، وبذلت جهودا معينة في سبيل التوصل إلى حل توافقي، لكن يبقى دور دولة الكويت وأميرها صباح الأحمد الجابر الصباح هو الدور الأبرز، وهي الوساطة الموصوفة بأنها "وساطة رسمية" دون غيرها.

تندرج المواقف الكويتية طيلة فترة الأزمة - التي ستغادر نصف عامها الأول في 5 ديسمبر/كانون الثاني 2017 - ضمن سياق يتمحور حول حزمة ثوابت في تعاطيها مع الأزمة.

لذلك تضع دولة الكويت على رأس أولوياتها الحفاظ على العلاقات السلمية بين الدول الست في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كحاجة كويتية إلى تدعيم أسس الاستقرار بما يكفل شيوع الأمن والاستقرار وسلامة "هيكل مجلس التعاون الخليجي"، لكنّ الكويت على لسان أميرها عبّرت في 11 يوليو/تموز الماضي عن "شعورها بالمرارة" إزاء "التطورات التي لم يسبق لها مثيل في الخليج" مع إصراره وعزمه على مواصلة مساعيه لحل الأزمة.

ويرى مراقبون، أن دولة الكويت ومعها الدول الخليجية الأخرى، تعتمد بالمقام الأول على "الحماية" الأمنية التي توفرها الدول الغربية الحليفة - الولايات المتحدة في مقدمتها - ولكن في إطار مجلس التعاون ضمن استراتيجية متكاملة طالما ظلّ هذا "الهيكل التنظيمي" قائما.

في الوقت نفسه، من المهم للولايات المتحدة الحفاظ على بنية سليمة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يعد تحالفا إقليميا يمكن أن يشكّل إطارا هاما لمواجهة النفوذ الإيراني في منطقة الشرق العربي عموما، ومنطقة الخليج خصوصا، كمنطقة هامة للمصالح الحيوية للولايات المتحدة التي يمكن أن تتضرر باستمرار الأزمة الخليجية وتصاعد حدة التوترات بين دول المنطقة، لذلك حاولت الولايات المتحدة في استراتيجياتها العريضة أن تحافظ على نوع من "الحياد" بين طرفي الأزمة وعدم الانحياز بشكل واضح إلى أي طرف من طرفيها.

مع بداية الأزمة الخليجية التي جاءت بعد أقل من أسبوعين من القمتين الإقليميتين - الأولى مع قادة دول الخليج الست والثانية مع قادة أكثر من خمسين بلدا إسلاميا - اللتين عقدهما الرئيس الأمريكي خلال زيارته للرياض في أواخر مايو/أيار الماضي، تبنى الرئيس الأمريكي موقفا "منحازا" إلى جانب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات واصفا دولة قطر بأنها "ممول وداعم للارهاب" مع حفاظه على خطوط تواصل مفتوحة مع أمير دولة قطر الذي وصفه بـ "الصديق".

وتستضيف دولة قطر قاعدة "العديد"، 28 كيلومترا جنوب الدوحة، وهي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة وتضم مركز قيادة العمليات في الحرب ضد "الإرهاب" في المنطقة وأفغانستان؛ وتُسهم طائرات النقل العسكري التابعة لدولة قطر انطلاقا من قاعدة "العديد" في "الدعم اللوجستي للتحالف الدولي" ضد الإرهاب.

غير أنه تحول تدريجيا بمرور الوقت موقف الرئيس الأمريكي ليصبح "متناقضا ومتذبذبا" من الأزمة الخليجية.. ففي الوقت الذي وقف في البداية إلى جانب "دول المقاطعة"، أصدر تعليماته لوزير خارجيته ريكس تيلرسون بدعم الوساطة الكويتية، كما أن الوزير نفسه أجرى جولات من المباحثات متنقلًا بين الدوحة والعواصم الأخرى حتى يوليو/تموز الماضي، حيث أعلن دعم جهود الوساطة الكويتية مع تعزيزها بإيفاد مبعوثين أمريكيين أكثر من مرة إلى العواصم المعنية بالأزمة.

وبدا في وقت سابق أن هناك ثمة "أمل" في نجاح الوساطة الكويتية داخل الدائرة المعنية بملف الأزمة في الحكومة الكويتية، لكن خارج هذه الدائرة سرعان ما اتضح أن هناك شبه إجماع على وصول جهود الوساطة إلى طريق مسدود؛ إورغم ذلك لا يبدو متوقعا للآن أن الكويت ستعلن بشكل رسمي انسحابها من الوساطة "وإعلان فشلها" في التوصل إلى حلول توفيقية بين طرفي الأزمة، في ضوء "احتمالات" ترشيح سلطنة عمان للاضطلاع بهذه المهمة "العسيرة" حيث لم تغب عُمان عن أجواء الأزمة وقربها من جهود الوساطة الكويتية ومواكبتها بكل تفاصيلها.

ويرى متابعون للأزمة الخليجية أن وصول الجهود إلى "طريق مسدود" فعليا يدعو للتفكير الجدِّي بامكانية تدخل وسيط من خارج دول المنظومة الخليجية يتمتع بنفوذ لدى طرفي الأزمة، ويمتلك ما يكفي من أوراق الضغط التي تكفل استجابة الأطراف للحوار المباشر أولاً كمدخل لازم لخطوات لاحقة تفضي إلى حل توافقي للأزمة، بتقديم تنازلات متبادلة والتوصل إلى تفاهمات مستقبلية بضمانة هذا الطرف الوسيط، لضمان عدم تجدد الأزمة التي سبق أن تم الاتفاق على حلها في عام 2014 بجهود كويتية قبل أن تعود مجددا في الخامس من يونيو/حزيران 2017.

وقد تكون واشنطن مرشحة للعب هذا الدور، لكنّ "التناقض" أو عدم الانسجام الكامل بين موقفي البيت الأبيض ووزارة الخارجية يلحق ضررا بالغا بـ "مصداقية" الجهود الأمريكية للوساطة المباشرة أو حتى في "دعم" الوساطة الكويتية بشكل جاد، وهو ما أعطى انطباعا لدى طرفي الأزمة بخلل مبدأ "الوساطة المحايدة" كأمر أساسي لحل الصراعات والنزاعات..

ويبقى بالتأكيد من مصلحة الولايات المتحدة المبادرة السريعة بالضغط بشكل جاد لحل الأزمة الخليجية قبل بلوغها مرحلة اللاعودة سياسيا وتزايد احتمالات لجوء "دول المقاطعة" إلى خيارات أخرى، من بينها تلك التي عبّر عنها وزير الخارجية القطري في 18 نوفمبر/تشرين الثاني لوكالة بلومبيرغ الأمريكية من أن قطر "لا تأمل" بقيام "دول المقاطعة" بقيادة المملكة العربية السعودية باتخاذ "إجراء عسكري"، مضيفًا "قطر مستعدة بشكل جيد، ولدينا ما يكفي من الأصدقاء من أجل منعهم من اتخاذ تلك الخطوات".

ولا يزال مسؤولون قطريون، يشيرون في سياق تطورات الأزمة بشكل غير مباشر إلى وجود "نية" في التدخل العسكري، من بينهم وزير الدولة لشؤون الدفاع، خالد العطية، الذي كشف في لقاء مع القناة الرسمية لدولة قطر في 19 نوفمبر/تشرين الثاني أن ما جرى في العام 2014 لم يكن "نية للتدخل العسكري، إنما خطط مكتملة".

وتدرك الولايات المتحدة أن الإخفاق في جهود الوساطة الكويتية حتى الآن، سيعزز بشكل ما التطلعات الإيرانية المتصاعدة في المنطقة، وسيزيد من فرص تعزيز العلاقات القطرية مع المنافسين التقليدين لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة والخليج، مثل روسيا والصين؛ خاصة أن دولة قطر لا تملك ما يكفي من القدرات على تحمل "مقاطعة طويلة الأجل" من دول الجوار الخليجية وهو ما دفع بها للجوء "القسري" إلى الاستعانة بإيران، والتي فتحت أمامها كل السبل المتاحة للتخفيف من الآثار المترتبة على المقاطعة أو "الحصار".

كما أن إيران ترتبط بعلاقات اقتصادية جيدة مع دولة قطر، فرضها العامل الجغرافي الذي يمثله الشراكة في واحدة من أكبر حقول الغاز بالعالم؛ وتهتم السياسات الإيرانية الخارجية بالاستثمار في الصراعات بين دول المنطقة لتوسيع نفوذها الإقليمي بشكل عام.

في ضوء ما سبق، قد تجد واشنطن إذن نفسها مجبرة على لعب دور الوسيط الفعال في الأزمة الخليجية حفاظات على مصالحها.

أضف تعليقك