• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
منذ ثانيتين

ضرب الإرهاب شمال سيناء مجدّداً، موقعاً هذه المرة 305 ضحايا، فضلا عن عشرات الجرحى والمصابين. وقد خيّم الحزن على منازل عشرات المصلين الذين ذهبوا إلى صلاة الجمعة، ولم يعودوا إلى منازلهم وأسرهم، وذلك بعد أن قامت جماعة إرهابية، على الأرجح أنها "ولاية سيناء"، بتصفيتهم وإحراق سياراتهم، ومنع عربات الإسعاف من نقلهم لتلقي العلاج في المستشفى، ما تسبب في زيادة أعداد القتلى.

تحمل الجريمة بصمات الدواعش، فالمسجد، بحسب شهادات عديدة، ينتمي للتيار الصوفي الذي يعد أحد الأهداف الرئيسية للدواعش الذين سبق وأن قطعوا رأس رجل تسعيني، هو الشيخ سليمان أبو حراز، رئيس إحدى الطرق الصوفية وكبير قبيلة السواركة في محافظة شمال سيناء قبل عام، كما هدّدوا، في إحدى مطبوعاتهم، باستهداف مساجد الصوفية في المحافظة. كما أنهم فعلوا الأمر نفسه قبل ذلك في أماكن عديدة خارج مصر، كما حدث في العراق واليمن وسورية، فالصوفيون بالنسبة للسلفية الجهادية أهل بدع وضلال ومرتدّون يجب قتلهم.

تشير تقارير إخبارية عديدة إلى تبني تنظيم أنصار بيت المقدس، أو تنظيم ولاية سيناء، العمل الإرهابي في مسجد الروضة، بين مدينتي العريش وبئر العبد، وهو أمر غير مستبعد مطلقاً في ظل حالة العداء التي يناصبها التنظيم للمخالفين له، فكراً وعقيدة ومذهباً. أما الغريب فهو أن مسؤول الحسبة في التنظيم كان قد هدّد، في حوار معه نشرته إحدى المجلات التابعة للتنظيم، باستهداف المسجد، كونه تابعاً لطريقة صوفية. ولم يتم التعامل مع التهديد بجدية كما هي العادة.

ليست ضخامة الحادث الإرهابي في مسجد الروضة في أنه الأول من نوعه في التاريخ المصري الحديث فحسب، وإنما أيضا في رد الفعل المتخبط من النظام الحالي ومؤسساته التي فشلت فشلاً ذريعا في وقفه ومنعه، فضلا عن فشلها في التعاطي معه عقب وقوعه. وهي مسألة باتت مكرّرة في حوادث إرهابية كثيرة، كان منها في 21 أكتوبر الماضي حادث الواحات الذي راح ضحيته 15 ضابطا وجنديا. ناهيك عن ردود مؤيدي النظام الذين تباروا، في تصريحاتهم العنترية، كما العادة في هذه المواقف، حول طرح خياراتٍ عبثيةٍ لا تزيد المشهد إلا سوءا. فمنهم من ينادي بضرورة إخلاء سيناء وتهجير أهلها، ومنهم من يطالب بمنح الجنرال عبد الفتاح السيسي تفويضا جديدا لمحاربة الإرهاب، وكأن التفويض القديم نجح وأتى ثماره!

وفي ظل انعدام المعلومات الموثقّة بشأن ما يحدث في سيناء، حيث تضرب السلطات في مصر تعتيما كاملاً عن حقيقة ما يدور هناك منذ أكثر من أربع سنوات، فإن سيناريوهاتٍ كثيرة يجري طرحها، منها تورّط عناصر من النظام في العمل الإرهابي، كونه يصبّ، بشكل أو بآخر، في مصلحته. فمنذ وقوع الحدث المروّع، أعلنت دول كثيرة تضامنها مع النظام ودعمها له في حربه على الإرهاب. كما يروج سيناريو إخلاء سيناء من أجل إتمام ما باتت تعرف بـ"صفقة القرن" التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال توطين بعض سكان غزة في منطقة سيناء. وهو أمر لا يجب استبعاده، في ظل حالة السيولة الإقليمية الراهنة وتبدّل التحالفات، ومحاولات دمج إسرائيل في المنظومة السنيّة التي تحارب إيران.

لا تزيّد إذا في إدانة عمل إرهابي، هو مدان بذاته ولذاته، كونه ترجمةً لإيديولوجيا عبثية عدمية تعتاش على الدم المنقّح، بفهم قروسطي للنص الديني، ومدفوع بكراهية عمياء تجاه كل من يختلف معها. بيد أنه، وبالقوة نفسها التي يُدان بها هذا الفعل، يجب أن يُدان أيضا من وفّر لجماعاته وتنظيماته الغطاء والمبرّر السياسي، وجعلها تبتز كثيرين، دينيا وإيديولوجيا وعاطفيا، كي تقنعهم بالانضمام إليها والانخراط في صفوفها. وهو ذلك النظام الذي يعتاش على المصائب، بينما يدّعي محاربة الإرهابيين. ولن يغير في ذلك خروج الجنرال السيسي، كما الحال مع كل حادثة مشابهة، متجهما غاضبا يهدّد ويتوعد، محاولاً مداراة خيبته وفشله الذريع في القضاء على تنظيم بدائي، لا يتجاوز عدد أعضائه المئات باعتراف تقارير رسمية كثيرة، فالرجل هو المسئول الأول سياسيا وأمنيا عن أرواح مواطنيه، ويتحمل عقبات فشل إستراتيجيته الأمنية التي يزداد انكشافها مع كل هجومٍ يقوم به الإرهابيون. ولا أدري ماذا ينقص الرجل الذي يمتلك كل السلطات وفرض حالة الطوارئ في البلاد، لكي يضع حدا للمأساة المتكرّرة.

ولا يمكن محاربة الإرهاب، بينما يتم خنق المجتمع، ووأد المعارضة، وشيطنة المخالفين. كما لا يمكن وقف حمّام الدم الذي تغرق فيه مصر فقط من خلال "القوة الغاشمة" التي تحدّث عنها السيسي في تعليقه على الحادث الإرهابي، وذلك من دون إعادة النظر في سياساته الكارثية التي أوصلت البلاد والعباد إلى الحالة البائسة من العنف والقتل.

أضف تعليقك