لماذا يتوسّع نظام عبد الفتاح السيسي في تنفيذ مذابح بأحكام قضائية بهذا الشكل، في وقت يبدو معه وكأنه أحكم قبضته على البلاد، وليس ثمّة معارضة حقيقية، في الداخل أو الخارج، تهدّد وجوده؟
لماذا كل هذه الوحشية في إعدام عشرات الأبرياء، بمحاكماتٍ تفتقد الحد الأدنى من سلامة الإجراءات، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة التصفية الجسدية للمخطوفين والمختفين قسريا لدى أجهزة السلطة؟
ينطق الواقع بأن نظام السيسي يبدو مسيطراً ومهيمناً على تفاصيل المشهد السياسي في الداخل، بعد تدمير كل بؤر المجتمع السياسي والنقابي الحية، والتخلص من أقرب وأقوى مساعديه، الذين يتوقع منهم منافسة أو مزاحمة، وبالتالي ينعم السيسي بممارسة طغيانه على مجتمعٍ يعيش، في هذه اللحظة، حالة أشبه بالشلل، وأقرب إلى الموات، فلماذا هذه الإصرار على ممارسة التوحش، والاحتفال به إعلامياً؟
في مداخلةٍ مع التلفزيون الرسمي، قال المتحدث باسم الرئاسة السيسية، أول من أمس، إن مكافحة الإرهاب هي موضوع الساعة ليس في مصر والمنطقة فقط، إنما في العالم كله، متابعًا: "الإرهاب انتشر بشكل كبير جدًا، ويمثل تحدياً كبيراً لكل دول العالم، ولا أستثني دولة أن تكون بمنأى عنه". وأضاف إن مصر قطعت شوطا كبيرًا في مكافحة الإرهاب منذ ثلاث سنوات بشكل مكثف، خصوصا في شمال سيناء، على الرغم من وقوع بعض الحوادث المتكرّرة خلال الفترة الماضية.
وبعيداً عن أن الحديث الرسمي عن نجاحٍ متوهم في الحرب على الإرهاب في سيناء، بات مثيراً للسخرية، بالنظر إلى حجم الضربات التي يوجهها الإرهاب في مناطق عدة، فإن ذاكرة الأيام تنبئنا بأن النظام يُصاب بحالة سعار على صعيد الممارسات الأمنية، كلما استشعر هبوطاً في معدلات الاهتمام الدولي بدعمه وتسمينه ورعايته، وكلما أحسّ بتغيراتٍ في المعادلات الإقليمية والدولية، تصوّر له انشغال العالم بأشياء أخرى، تقلل من حجم الدعم الممنوح له، فهنا يسلك وفق سيكولوجية طفلٍ مدللٍ يقدّم على ارتكاب بعض الأعمال الخطرة، بقصد الابتزاز وجلب الاهتمام واستئناف الرعاية.
تتضمن هذه الأعمال الخطرة دوماً اللعب بورقة الأقباط، من خلال إشعال الموقف بأعمال إرهابية، يسهل النظام تنفيذها، بالإهمال المتعمّد، إلى درجة التواطؤ، وكذلك مضاعفة معدلات التصفية بأحكام الإعدام، والقتل خارج القانون.
في النقطة الأولى، اللعب بالملف القبطي، ليس هناك ما يقال أكثر من كلماتٍ صاغها النائب المسيحي، عماد جاد، عن تواطؤ الأمن في استهداف المسيحيين، وهي الكلمات التي وضعته في قائمة المنع والمصادرة، وتهدّد وجوده في البرلمان.
وفي الثانية، يبدو السيسي في لعبة نيرونية مجنونة، رداً على تآكله إقليمياً، في أعقاب الوصول التركي إلى ساحل البحر الأحمر، من بوابة السودان. وأيضاً، وصول ملف مياه النيل إلى مرحلة الهزيمة الكاملة أمام إثيوبيا، إلى الحد الذي لم يعد أمام الجانب المصري معه سوى تسوّل التدخل من البنك الدولي، لتنظيم عملية تسعير المياه وشرائها، ناهيك عن تصاعد الحديث عن يأسٍ دولي من الحالة المصرية، في ظل وجود السيسي، على الرغم من كل الدعم المقدّم له، والتواطؤ بالصمت على ممارساتٍ تتناقض مع ما يبشر به الداعمون من قيمٍ تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وعلى الرغم من إقرار البرلمان الأوروبي في مارس 2016 أن مصر دولة قمعية، تقتل المعتقلين، وتعذب النشطاء، وتستخدم المعونات العسكرية لتعذيب شعبها، والتأكيد أن دم الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، لن يذهب هدراً من دون ثمن.
في تلك الجلسة التي انعقدت في ستراسبورج في فرنسا، لمناقشة توصيات بحظر المساعدات الأمنية والعسكرية لمصر، على خلفية مقتل ريجيني، ذهبت أبرز المداخلات إلى ما يلي:
السيسي رئيس يقوم بقمع مواطنيه وأوضاع حقوق الإنسان مأسوية. نظام السيسي يستخدم المعونات التي نقدمها له في قمع الحريات وحقوق الإنسان. هناك عشرات الآلاف الذين فقدوا على يد السلطات الأمنية والمخابرات المصرية. لا يمكن أن تكون الحرب ضد الإرهاب ذريعة لما يحدث، ونغمض أعيننا عن الانتهاكات التي تحدث في مصر. لا يمكن أن نتنازل عن القيم الأوروبية لأسباب سياسية أو تجارية. حالة مقتل الطالب الإيطالي ضمن مئات آلاف من حالات الفتل والتعذيب للنظام المصري.
لكن الذي حدث فيما بعد أن الحكومات الغربية ضربت عرض الحائط بمخرجات هذه الجلسة، إذ في عالمٍ يبدو منسلخاً من الأخلاقية أمام إغراءات الصفقات المموّلة من رعاة السيسي الإقليميين، كان من السهل أن تجد قادة العالم (الحر) أقرب إلى منطق ترامب في التعاطي مع السياسة الدولية، بعقلية التاجر الانتهازي، حتى جاءت قضية فلسطين لتقرع أجراس الضمير العالمي، وتحيي صوت الشعوب، لتعيد إلى العالم بعض سلامة قواه الروحية، بمواجهة أنظمة تحكم بفلسفة الشركات الربحية، فاستشعر المستثمرون في الطغاة بعض الحرج، فاندفع الطغاة إلى استئناف الابتزاز بافتعال الحرائق، مثل نيرون.
هنا، حريٌّ بالمعنيين بمقاومة طغيان سلطة السيسي، من الخارج، أن يتوقفوا عن عراكهم الصغير، ويطرقوا أبواب الضمير العالمي، لإيقاف المقتلة التي تستهدف الجميع من أجل أن يعيش قاتل واحد.
أما في الداخل، فليس أقل من التوقف عن تغطية عري السلطة، والتراجع عن الذهاب لتغطية جرائمها بملاءة انتخابية
* نقلا عن صحيفة العربي الجديد
أضف تعليقك