بقلم: نيفين ملك
في اليوم العالمى للمرأة، لا كلمات في قاموسي اللغوي المحدود تعادل مشاعر الاندهاش والامتنان لما قدمته وتقدمة المرأة المصرية مع كل طلعة شمس. لن أستغرق في سرد تاريخها النضالى عبر الزمن، ولكن يكفينا النظر بإمعان للحاضر (وإن كان مؤلما) ولكنه منه مستخلص العبر.
بالنسبة لي كانت (ثورة يناير 2011م) نقطة التحوّل في حياتي الشخصية والمهنية، ومحطةً فارقةً في رحلة البحث عن الذات وعن معاني الحرية وقيمتها في بناء وطن الكرامة، حلم دولة الحق والقانون.
ومع واقع الحال الذي آلت إليه الثورة المصرية، وموجة الانكسار التي عصفت بها؛ ينبغي علينا أن نبصر بعيون الفرح أيضا كل تلك الورود في حديقة مصر الزاخرة.. كيف يتحدث البعض عن قصر عمر الورد، وما زالت تلك الورود تنشر شذى عبيرها منذ سنوات بدون كلل أو ملل، مع ابتسامة رضى ويقين وصبر وأمل في غد آت مهما طال انتظاره؟
كل تلك التضحيات التي تستحق أن تُروى عن بنات مصر ونسائها، بيد أننا لن نستطيع أن نتغافل خطايا اللحظة وتوحشها على المرأة المصرية. فحين تهرول وسائل الإعلام المحلية لتعرية زبيدة الضحية، وجلد أمها والقبض عليها لمجرد ظهورها في وكالة أنباء عالمية كـ"بي بي سي"، بدعوى البلاغ الكاذب، في تقرير تناول ظاهرة الاختفاء القسرى المعترف بها رسميا في تقارير صادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو جهة شبه حكومية عن حالات اختفاء قسرى بعينها، ولكنها السلطة البوليسية التي اعتادت على تلك الممارسات الوقحة، ما نسينا تعرية فتاة التحرير، وممارسة كشوف العذرية؛ لكسر إرادة وكرامة الفتاة المصرية، أيّ هلعٍ أصاب السلطة من الصحفية الشابة مي الصباغ حتى تقبِض عليها، وجريمتها حمل قلمٍ وكاميرا لإجراء تحقيق صحفي عن ترام الإسكندرية؟! وأي تكدير لسِلمٍ وأمنٍ مع حيازة الصحفية الشابة كاميرا؟!
وبرغم شعارات هؤلاء باحترام حقوق المرأة والتباهي بتضمين ذلك (صوريا) في النصوص التشريعية والدستورية، والتصديق على المعاهدات الدولية كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك اتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو غير الإنسانية المهينة؛ ولكنها تبقى حبرا على ورق، ومساحيق تجميلٍ منتهية الصلاحية على وجه وحش الممارسات المزمنة للدولة البوليسية، وهي ممارسات تفتقد لأي سلطة حاكمة للشرعية؛ حيث تأتي خصوصية تلك الممارسات ضد المرأة في أنها تؤدي خلال مراحل التحول هذه إلى تغيير القيم الثقافية والمجتمعية، وربما تشويه السمعة وشيوع ثقافة ازدراء المرأة، وتنمر المجتمع، ومن ثم انتشار جرائم العنف ضد المرأة، كما هو شائع في مصر الآن، وكظواهر خطيرة، منها جرائم التحرش الجنسي والعنف المنزلي، وغيرها من نمط لجرائم تكرس للنيل من مكانة وكرامة المرأة في المجتمع.
وهنا يجب التنويه (ولصالح الدولة الوطنية المصرية) لوجوب أن تتمسك ثورة يناير بتشكيل تياراتٍ وطنيةٍ تضع في القلب منها قضية المرأة المصرية، ورفع الظلم التاريخي الذي تعرضت وما زالت تتعرض له، والتصدي لكافة أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، وعدم قبول حملات الفبركة الإعلامية ضدها وتشويه السمعة. ورفع الوعي المجتمعي وإكسابه المناعة الكافية؛ لمحاربة كافة أشكال الثقافة الرسمية السائدة التي تشبعت بالتمييز ضد المرأة، وعدم التسامح معها.
إنَّ قدرة الجماعة الوطنية على إرساء مبادئ الممانعة الوطنية هذه، ونجاحها في غرس تلك القيم والقواعد الأخلاقية والثقافية لحماية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ ليست فقط ضرورة فئوية لحماية الشريحة الأضعف في المجتمع (كما يصفها البعض)، ولكنها أيضا ضمانةٌ حقيقيةٌ لبناء التعايش السلمي والاستقرار المجتمعي، وضمان آمن لعبور سفينة الوطن بسلام وسط بحر الظلمات.
وقديما، وقبل أن يعرف العالم الحديث شيئا عن مكانة المرأة وحقوقها الكاملة، كانت المرأة المصرية تتمتع بكامل حقوقها سياسيةً كانت أو ثقافية واجتماعية واقتصادية، وما أجمل أن نستعيد ما قال الحكيم بتاح حتب منذ حوالي العام 2400 ق.م "حس بآلامها قبل أن تتألم.. إنها أم أولادك، إذا أسعدتها أسعدتهم، وفي رعايتها رعايتهم، إنها أمانة في يدك وقلبك. فأنت المسؤول عنها أمام الإله الأعظم، الذي أقسمَت في محرابه أن تكون لها أخا وأبا وشريكا لحياتها".
ولعله آن الأوان لنا أن نعي أنَّ انحياز التيارات الوطنية المنبسقة عن ثورة 25 يناير لحقوق المرأة المصرية، ودون انقسامات إيدلوجية أو عداوات تاريخية، هو التحوّل الحقيقي للشرعية، ومفتاح العبور العظيم في رحلة الحرية وبناء المجتمعات الديمقراطية.
أضف تعليقك