قيل: وما الغباء؟ قال: «الغباء هو فعل الشيء نفسه مرتين بالأسلوب نفسه، والخطوات نفسها، وانتظار نتائج مختلفة»!
هل كان السائل من الأعراب، وكان المسؤول هو «فلتة عصره» وحكيم زمانه «آينشتاين»؟ أم أن الاجابة منسوبة لفقيد الفيزياء المذكور، دون أن تكون له صلة بها؟
في الحقيقة، لا يهم إن كان القائل هو «آينشتاين» أم غيره؟ فمهما يكن فنحن أمام قول محكم، يعبر عن أغبياء يعيشون بين ظهرانينا، وهم يفعلون الشيء نفسه، بالأسلوب نفسه، والخطوات نفسها، وينتظرون، يا إلهي، نتائج مغايرة. فقد خططوا في سنة 2017، للانقلاب في قطر، وهو الأمر نفسه الذي جربوه في سنة 2017 وفشل، وكأنهم الأخوة الأشقاء لـ «غبي منه فيه»، كما تم تشخيص شخصيته في الفيلم الذي يحمل هذا الاسم، ومثلوا استثناء للقول المأثور: «البطن قلابة»، فبطن الأم كانت مستقرة، فجاءت بكل ذريتها يحملون «العاهة المستديمة» نفسها، وهي «التخلف العقلي»!
لقد أعلنت قناة «الجزيرة»، أن برنامجها «ما خفي أعظم» الذي يقدمه «تامر المسحال»، سيعرض خبايا انقلاب سنة 1996، فاعتبرت أن الموعد مقدس، فالمعلومة ضالة الصحافي، لا سيما وأنني لم أصادف أحداً ملماً بتفاصيل ما جرى، على نحو ظننت معه أن المحاكمات كانت سرية، لم تعرض على الرأي العام، وكنت قد سمعت قديماً عن محاولة فاشلة للانقلاب، هي كلمة ورد غطاها، فقد ذكر الراوي أن انزالاً مصرياً تم في الدوحة بناء على طلب سعودي، وقد أحبط في التو واللحظة!
بيد أن «ما خفي أعظم»، عرض طبيعة المحاولة الفاشلة، فإذا بها مخطط كبير، شاركت فيه أربع دول، هي ذاتها دول الحصار الآن، كما شاركت فيه أجهزة المخابرات في كل من مصر والسعودية، ودائماً مصر مضافاً إليه، كانت في الأولى كما كانت في الآخرة، وبعد أن كانت رائدة، تحولت إلى ذليل للسعودية في عهد مبارك، ولعموم بلاد الرز في عهد السيسي، ثم يفتح أبله فاه وهو يتساءل في براءة البله: ماذا تريد منا قطر؟ والسؤال هو ماذا تريد أنت من قطر؟ وليس لك في العير ولا في النفير ومع ذلك شاركت في انقلاب فاشل، كما شاركت في حصار أضر بالمصريين فكان أهل الحكم عندك كمن أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه، غاية ما هنالك أن الأمر وسد لحكام مرتزقة، هم الامتداد الطبيعي، للجنود المرتزقة في سالف العصر، ولعصابات المرتزقة، الذين صدرهم الغرب لبلانا في هذا العصر، وكانوا موضوعاً لأطروحة الدكتوراه الخاصة بصديقنا «بدر الشافعي»!
الفصل التمهيدي
ما شاهدناه حتى كتابة هذه السطور، هو الجزء الأول من القصة، ويقال إنها مجرد فصل تمهيدي، وغداً (الأحد) سيعرض الجزء الأهم، بحسب رواية البعض نقلاً عن «المسحال». وقد شاهدنا في الحلقة الأولى ما يشيب لهوله الغراب، والشركاء في الجريمة، انتقلوا للصدارة، فقد كان «سلمان» أميراً، فأصبح ملكاً للسعودية، وكان «محمد بن زايد» ولي عهد أبو ظبي، لكنه الآن هو الحاكم بأمره، كما كان «حمد بن عيسى» ولي العهد في البحرين فصار ملكاً فقد أصبحت البحرين مملكة إي وربي! وإن كان الأمر اختلف في مصر، فمبارك تنحى ليخلفه ابنه بالتبني عبد الفتاح السيسي، كما أن اللواء عمر سلمان، مدير المخابرات المصرية مات في ظروف غامضة!
لقد أعد القوم عدتهم، في هذه البلاد، كل حسب المطلوب منه، وبغرفتي عمليات في كل من السعودية والبحرين، وبتخطيط كل من المخابرات السعودية والمصرية، وقد ساعدت مصر بالسلاح، الذي دخل إلى قطر من حدودها مع الرياض، وكانت الخطة تستهدف الاطاحة بحكم الشيخ حمد بن خليفة، وإعادة الأمير الوالد الشيخ خليفة بن حمد والذي من الواضح أنه فطن لسر الحماس السعودي لهذه العملية، فقد أفصح عن خوفه من أن يدخل السعوديون بلاده ولا يخرجون منها، فيبدو أنها أطماع قديمة، يجري التنفيس عنها بين الحين والآخر، بمحاولات انقلاب تكون نهايتها الفشل، الذي صار مكتوباً على الجبين، وقديماً قالت العرب: «المكتوب على الجبين لازم تراه العين»، لكن وكما قال السادات بعد صد انقلاب على حكمه في وصفه للانقلابيين: «لا بد أن يحاكموا بتهمة الغباء السياسي»!
جماعتنا هم النموذج الحي للكفاح الفاشل، لا سيما وأن هذه ليست أول محاولة انقلاب فاشلة، فقد ذكر السفير الأمريكي في الدوحة خلال هذه الفترة، أنه سبقها محاولتان فاشلتان بالاستعانة بمرتزقة أجانب، في الأولى كانوا أفارقة، وفي الثانية كانوا فرنسيين وقد أفشلتها السلطات الفرنسية بأن أصدرت الأمر لهؤلاء المرتزقة بعدم الإقدام على هذه العملية، حيث حدث هذا في سنة 1995، عقب تولي الشيخ حمد الحكم، ويبدو أن القوم في هذه الدول الأربع واصلوا مخططهم فلم يحول الفشل دون مضيهم قدماً فيه، كما لم يكن فشلهم الذريع في مخطط الانقلاب الذي نحن بصدده، سبباً في أن يعرضوا عن هذا، فجاءوا في سنة 2017 ليعيدوا الكرة، وليثبتوا أنهم مثال من لحم ودم للغباء كما عبر عنه المأسوف على شبابه آينشتاين!
محاولة سنة 1996، هي الأكثر دهاء، لأن معظم مفاصل الدولة القطرية كانت تؤوب مع مركز الانقلاب، فكان معهم رئيس المخابرات القطرية، وقائد الشرطة، واخترقوا الجيش، وقد تنقلت أدوات الانقلاب بالداخل بين هذه الدول، دون أن يتم رصدهم، فمن هو الذي يرصدهم؟ وإذ تم تقديم الانقلاب عن موعده بيومين، ثم عن وقته بساعتين، خوفاً من اكتشاف أمره، فإذا بربك يضع سره في أضعف خلقه، فيجعل من مخططات أربع دول وجهازين للمخابرات وغرفتي عمليات، مع وجود أركان الدولة القطرية في صف هذا الانقلاب، كأنه فعل ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى!
نضوج الثمرة
فإذا كانت التعليمات الانقلابية تقضي بعدم السماح للجنود بمغادرة معسكراتهم، استعداداً لساعة الصفر، فقد تمكن «عريف» من الحصول على إجازة من صهره القائد ليقضي الإجازة مع أسرته، فذهب إلى القصر الأميري ليكشف المؤامرة، ليعلن الأمير حالة الطوارئ واستدعاء ضباط الجيش من عطلتهم، وغلق المطار والحدود البرية، وذلك قبل الموعد المحدد للانقلاب بساعتين، فيشل هذا تفكير الانقلابيين في الداخل ويقرروا وقف تنفيذ العملية، وطيب القائمون على مركز القرار في الخارج خاطر من هربوا، وبأنهم سيعيدون المحاولة من جديد، وربما ظنوا أن الثمرة قد نضجت بما فيه الكفاية، فكانت محاولة الانقلاب في سنة 2017، لتبوء أيضاً بالفشل. خبرة في الفشل هؤلاء القوم!
ففي المحاولات الأولى، لم تكن قطر كما هي عليه الآن، فقد شهدت نهضة شهد بها الجميع، جعلت الطامعين القدامى يفكرون في انقلاب جديد وتنصيب حاكم يجعل منها مجرد تابع، يتصارع عليه محمد بن زايد، ومحمد بن سلمان، فأيهما يفوز بالكعكة، لتكون الإمارة الثامنة للإمارات، أو يفوز بها بن سلمان لتكون المنطقة الرابعة عشرة التابعة للسعودية، وقد تحولت فكرة السيطرة على قطر عندهم إلى هوس، ومن المستهدف الآن نزح خيراتها لسد العجز في الميزانية السعودية الناتج عن الجزية التي دفعت لترامب عن يد وهم صاغرون، وهم في حالة سكر وهم ينظرون إلى الجميلة «أيفانكا»، وكأنهم لأول مرة يرون نساء في حياتهم!
عندما شاهدت فيلم «انقلاب 96»، أدهشتني القدرة القطرية على تجاوز الماضي الأليم، والقبول بمبدأ فتح صفحة جديدة، فمن المسؤول عن الاعتقاد بأن مجيء بن سلمان ملكاً، سيفكك حالة الاحتقان في العلاقات بين البلدين، وهو متورط في انقلاب 1996، بل من أين جاءنا نحن الاحساس أن الرجل مختلف عن الملك عبد الله المتورط «لشوشته» في الانقلاب المصري وفي مجزرة «رابعة» واخواتها؟!
بعيداً عن القضية المصرية وملابساتها، هل تعامل القطريون بقاعدة «الذي فات مات»، وأن سلمان ربما كان مغلوباً على أمره في السابق، عندما شارك في الانقلاب، كما أنه مغلوب على أمره الآن، وابنه استغل هرمه، وقد اختطفه منه محمد بن زايد ليصبح بين يديه كالميت بين يدي مغسله!
لقد كانت محاولة الانقلاب في 96، قبل ظهور قناة «الجزيرة»، وقبل الربيع العربي (وقطر متهمة بمساندته)، وقبل كذلك ما يردده القوم الآن من أن قطر تستضيف قيادات جماعة الاخوان المسلمين، دون إعلان اسم لقيادة واحدة!
اللافت أنهم في المحاولة الفاشلة هذه كانوا أقوى، لأن أركان الدولة القطرية كانت جزءاً من حساباتهم، لكنهم عندما حاولوا تكرار التجربة كان معهم اثنين قطريين ليسوا أعضاء في السلطة، أحدهما تبين أنه في حكم المختطف. ومع ذلك أقدموا على إعادة المحاولة، ربما لأنهم كانوا يظنون أنهم يستطيعون فرض خيارهم بأنفسهم وبيدي لا بيد القطريين، ولكن لا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
بيد أن هذا الفشل، لن يمنعهم من اعادة التفكير مرة أخرى، لأنهم حريصون أن يثبتوا لأينشتاين في «تربته» صحة تفسيره لمعنى «الغباء»!
يا لك من حكيم يا حاج أينشتاين!
أرض – جو
نرجو من السلطات المصرية أن تطمئنا على الراقصة الروسية «جوهرة»، فبعد الإعلان عن قرار طردها من مصر، لا تزال باقية في المحروسة، فما هي الجهة التي انتصرت اراداتها في معركة الإرادات، وأفرجت عنها، وألغت قرار ترحيلها؟! وما هي الجهة التي سجنتها وأصدرت قرار ترحيلها دون أن تعلم أنها «محمية طبيعية»؟!
أضف تعليقك