كيف تجري الانتخابات في نظام فاشي في دولة بوليسية؟ تساؤل نرى من خلاله تلك الانتخابات المصرية، والتي لا تأخذ شكل الانتخابات على الحقيقة، إنما هي طقوسٌ فاشيةٌ استبداديةٌ تُجرى كتمارين إذعانية ضمن حالةٍ هزليةٍ على مسرح جمهورية الخوف التي لا تقيم وزناً، لا لحقوق إنسانية، ولا لحقوق مدنية أو سياسية، فلا تلك تمثل حقوقاً انتخابية مشفوعة بالتصويت لإظهار الإرادة السياسية للأفراد، معبرة عن حالة الرضا الحقيقي والاختيار الحر. ومن أجل ذلك، توصف تلك الانتخابات بأوصاف أمينة في إجرائها، نزيهة في قواعدها، فماذا عن الانتخابات طبعة عبد الفتاح السيسي الفاشية، هذه الانتخابات التي تشكل نموذجاً في فاشيتها العاتية، وهذا هو الدليل الإرشادي لإجراء مثل هذه الانتخابات، وفق الخطوات الآتية:
أولاً، عليك أن تصادر نوايا الترشح بخطاب من التهديد والوعيد "لن أسمح لأحد من (الفاسدين) يقرب من الكرسي (كرسي الرئاسة). ثانياً، من تجرأ على الترشيح ولم يكن على هواك، حدّد إقامته وامنعه من ذلك، واحكم على الآخر بأي تهمة، بل واعتقل من لم يأبه لتهديدك، ولم يلق بالاً لوعيد. ثالثاً، عليك أن تجعل أي مرشح يريد انتخابات حقيقية ينسحب، بما يضمن إقامة مسرحية انتخابات هزلية. رابعاً، ابحث عن محللٍ تقوم أنت باختياره كامل الولاء لك، يسبح بحمدك، وربما قد يشير إلى أنه على الرغم من خوضه انتخابات(؟) شريفة، فإنه ربما يعطي صوته للزعيم الملهم والمفدى الذي يستحق أن يكون رئيساً مدى الحياة. "الكومبارس" يختار بعناية ليحفظ شكلية الانتخابات، بعد التخلص من أي منافس حقيقي. خامساً، أجر انتخابات شكلاً، ولكنها استفتاء على مرشح واحد، هو الحاكم بأمره الذي يبشر بفترة ولايته الثانية لرئاسةٍ قادمة.. هزل في مقام جد. سادساً، قم بعمل "انتخابات اللقطة" و"صناعة صورة" انتخابات بتشكيل مشاهد كاذبة مزورة، وإبداع انتخابات يرتبط التصويت فيها بالرقص ضمن طبعة "الانتخابات الراقصة" ضمن حالة مهرجانية مصطنعة.
سابعاً، هدد من قاطع الانتخابات بالويل والثبور وعظائم الأمور، بالغرامات والعقوبات. ثامناً، احشد الجهاز الإداري والمدارس والهيئات والمؤسسات والعمال والنقابات، وطاردهم بالتهديد والكشف عن كل خائن قاطع الانتخابات، والكشف عمن لم يغمس إصبعه في الحبر الفوسفوري. تاسعاً، احشد الفنانين والفنانات والمشاهير من الرياضيين وغيرهم في مشهد تمثيلي مهرجاني. عاشراً، اجعل ضباط الجيش والجنود في استعراض قوة في مهمة مصيرية لحماية اللجان وتأمينها يحملون أسلحتهم، ويلوحون بها في عملية ترويع.
حادي عشر، اجمع الناس من الشوارع واشحنهم إلى اللجان، حتى يقوموا بالتصويت القسري في صورة تصويت المكره، وهو ما يفسر زيادة أعداد الأصوات الباطلة. ثاني عشر، لا بأس بإجراء مسابقات فريدة في مضمار التصويت القسري بين الكنائس بدعم مالي، وبين القرى بإدخال مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي. ثالث عشر، أعطِ الوجبات وأكياس السلع حتى يقوموا بالتصويت في اللجان، أو أعطه مبلغاً من المال رشاوىً انتخابية. رابع عشر، أجر راقصاتٍ يقمن بالرقص أمام اللجان ليجتذبن الشباب، ويغرين الأخريات بالرقص، ضمن مشاهد تمثيلية مدفوعة الأجر. خامس عشر، أخرج مشاهد تمثيلية متكرّرة لعجائز من كبار السن، أو مرضى يتحرّكون على كراسٍ متحركة، والاحتفاء بتصويرهم رمزاً للمشاركة. سادس عشر، قم من خلال أجهزة إعلام إفكك بهجاء المقاطعين، واتهامهم بالخيانة وتهديدهم بالغرامة. سابع عشر، أخرج أجهزة الإدارة المحلية ومحافظيك لكيل الشتائم والتهديدات للمواطنين الذين لم يذهبوا إلى الانتخابات. ثامن عشر، سرب نتائج مفبركة تؤكد على إقبال منقطع النظير، تمهيداً لإعلان النتائج المسموح بها والمأذون لها، في إطار مسيرة التزوير من المنبع إلى المصب. تاسع عشر، حاسب كل هؤلاء ممن لم ينخرطوا في تلك الزّفة الانتخابية، ومواجهتهم بالإقالات أو الاعتقالات، سواء في الصحف أو المواقع الصحافية، مثل "المصري اليوم" و"موقع مصر العربية". عشرون، إخراج النتائج المعدة سلفاً في إطار مشاركة مبالغ فيها، على الرغم من المقاطعة، ونتائج تصور اكتساح الزعيم الفاشي الذي نال الرضا السامي من جموع شعبه الهادفة إلى الاستقرار، وتقديراً للإنجازات الوهمية والفنكوشية، وقامت الآلة الإعلامية تزييفاً وتزويراً بنشر هذه النتائج المفبركة.
ويعني ما سبق أن العملية "الانتخابية" في مصر، الفاشية القسرية والإكراهية المزورة من المنبع وحتى المصب، ربما قد وافقت الإطار الشكلي والإجرائي فقط، لكنها لم تمثل عملية انتخابية حقيقية على أرض الواقع، وهو ما دفع وسائل الإعلام العالمية إلى تسليط الضوء وتوثيق المخالفات التي شابت العملية "الانتخابية" ونسب المشاركة الهزيلة، فقد ذكر تقرير لموقع "مصر العربية" وسائل الإعلام العالمية التي تناولت الانتهاكات والمخالفات التي مارسها النظام المصري في العملية "الانتخابية"، فقد نُشرت، في هذا الخصوص، عدة مقالات وتقارير في "واشنطن بوست" و"التليغراف" و"ذي أتلانتك"، واشتركت صحف في وصف العملية "الانتخابية" بالمسرحية الهزلية، منها "وول ستريت جورنال" و"نيو يوركر".
وتعكس هذه النسب المرتفعة لعوامل عدم المشاركة في الانتخابات، على الرغم من الدعاية "الانتخابية" الهائلة التي استخدمت في الأيام السابقة، قدراً كبيراً من واقع تقييم المواطن المصري "الانتخابات" والمشهد السياسي، فمن ناحيةٍ لا يبدو مشهد الانتخابات مقنعاً لكثيرين، سيما وأن الممارسات التي ارتكبها النظام من اعتقالات وتهديدات وتضييقات على كل من أعلن نيته الترشح "للانتخابات" لم تخفَ على أحد، وهو ما أعطى انطباعاً لدى كثيرين أنه لا توجد انتخابات، وأن المشاركة في عملية التصويت لانتخاباتٍ تبدو نتائجها معلومة للجميع ستكون عديمة القيمة. من ناحية أخرى، شكل تقييد المجال العام وغلق كل مسارات التغيير السلمي، والذي صاحبته قبضة أمنية وبطش وانتهاكات، عاملاً مهماً في العزوف عن الاهتمام والمشاركة بفاعلية في المشهد السياسي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على قطاعاتٍ كبيرةٍ، لم تعد تهتم بالانتخابات، أو بالمشهد السياسي، أو بالتغيير الذي يمكن أن يأتي بطريق ديمقراطي سلمي وسليم.
بين مشاهد الاعتقالات للمرشحين، واختيار المرشح "الكومبارس"، والمشاهد التمثيلية، وعمليات القسر والإكراه للإدلاء بالصوت الانتخابي، والرشاوى الانتخابية، وتزوير النتائج، وتزييف إعلام الإفك تكون تلك الطبعة في الانتخابات الفاشية، فهذا لسان حالهم يقول: "أهلاً بكم في حكم الزعيم الفاشي في فترته الثانية"، في جوّ من نداءات بأن يكون زعيماً مدى الحياة، وتعديل الدستور ليسمح له بفتراتٍ أخرى، يواصل فيها فاشيته العتيدة، وطغيانه الفياض، وغلاء أسعار وقرارات برفع الدعم وزيادة في أسعار البنزين والكهرباء.. "أهلاً بكم في جمهورية الخوف والترويع وسياسة التجويع وانضمامك إلى القطيع".
أضف تعليقك