منذ ثانية واحدة
تتساقط الصواريخ الأمريكية على دمشق، ضربة (محدودة)، جاءت بعد عناق ممثلة أمريكا وممثل روسيا في الأمم المتحدة، الأمر متفق عليه، لا ضغينة في الحرب، (بيزنيس إيز بيزنيس)، إنما السفاحون إخوة.
اجتمع العالم كله على الشعب السوري، وعلى ضرورة بقاء الأسد في موقعه، فبدونه ستتهاوى أحلامهم، هم من يخلق الطغاة، وهم من يحافظ عليهم لكي تتحقق مصالحهم، وهم من يقصف الطغاة دون تأثير على قوتهم على الأرض، تجربة السلاح مطلوبة.
صواريخ أمريكية بريطانية فرنسية، كلها ضربت سوريا، ولا أحد يهتم سوى الشعوب العربية والإسلامية، والشعوب – بفضل دناءة حكامها – لا وزن لها حاليا، (أقول حاليا قاصدا ما أقول).
لا أحد يستنكر، ومن استنكر لم يُسمع صوته، فدوي أصوات القنابل ما زال مستمرا، ولكن هذه المرة قنابل نظام الأسد المتساقطة على رؤوس الشعب السوري العظيم، دون تفرقة بين مستشفى ومدرسة ومسجد، بين آثار قديمة وخيام لاجئين، بين رجال أو نساء أو أطفال أو شيوخ.
قناة الميادين (المقاومة) تغطي مسيرات العودة من الغوطة الشرقية، يقول لسان القناة إن غزة والغوطة (إخوة في المقاومة) !، يقولون ذلك بعد تهجير أهل الغوطة، وقتل الآلاف من أهلها، يتحدثون عن مسيرات العودة من المكان الذي عرف مسيرات اللجوء والتهجير القسري قبل أن تنطلق مسيرات العودة بأيام أو أسابيع قليلة !
دائما الطريق إلى فلسطين يبدأ بقصف المدن العربية، وقتل الشعوب العربية، في لبنان، أو الكويت، أو العراق، أو سيناء، أو سوريا ... لا أحد يشتبك مع إسرائيل مباشرة، لا بد أن يقتل السيد الرئيس شعبه العربي أو جيرانه العرب أولا ... وإذا اعترض الناس على تلك الدماء يصنفون فورا موالين لإسرائيل، وأعداء للمقاومة !
دائما تضعنا أنظمة الاستبداد في هذه الخيارات الصعبة، وكأنه قدر علينا أن تتساقط الصواريخ على رؤوسنا أو رؤوس أحبائنا وأشقائنا قبل أن تتساقط على إسرائيل.
السيد خليفة حفتر على فراش الموت ... والعالم كله يحاول إنقاذه ... ألا تستحون !؟
هذا الرجل مجرم حرب، ومن المفترض – لو كان هناك أدنى معيار للعدالة – أن يكون مطاردا من العالم كله، لا أن ينقل بطائرات خاصة من مستشفى إلى أخرى تحت عناية فائقة لم يحصل على عشر معشارها آلاف من أبناء شعبه الذين قتلهم بأسلحة أمده العالم كله بها (برغم قرارات حظر السلاح المزعومة).
في وسط هذا كله يظهر من يحاول إخفاء حقيقة مرضه، لإتمام بعض التحركات على الأرض، وعلى رأس هؤلاء دولة الإمارات العربية، و"الممثل" الذي عينته كمندوب للعالم كله في ليبيا.
السيد محمد بن سلمان (يسمونه صاحب السمو الملكي)، له مناصب كثيرة، أهمها أنه ولي عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، الملك (الرسمي) الحالي للمملكة العربية السعودية ... يسافر كثيرا، ويتحدث كثيرا، تعجبه لعبة الصحافة العالمية، وهي لعبة خطرة، والإكثار منها – لمن هم في مثل سنه وخبرته وقدراته العلمية والثقافية – مضر، خصوصا إذا كان الشخص مسؤولا عن شقاء ما يقرب من ثلاثين مليون يمني، بالكوليرا، وبالصواريخ، وبالمؤامرات السياسية.
السيد بن سلمان يتحدث في مواضيع مختلفة، تستغرب من أحاديثه، تتحير في تصنيفه، هل هو متشدد؟ أم غير ذلك؟ ذكي؟ أم غير ذلك؟
تراه يتحدث عن التشدد الإسلامي وكأنه إمام من أئمة الوسطية الإسلامية، مارتن لوثر كنج أهل السنة والجماعة، ولكن في اللحظة نفسها تراه يعادي جميع الدعاة (الوسطيين) لا في مملكته فقط ... بل في العالم كله، يعاديهم بإجراءات (عملية)، قرارات تصنفهم كإرهابيين، ومصادرات للأموال، بالإضافة إلى سجن السعوديين منهم.
تراه يتحدث عن السلام حتى تظنه حمامة بيضاء، نعم ... حديثه المتسامح عن إسرائيل يذكرك بنيلسون مانديلا، ولكنه في اللحظة نفسها يحاصر دولة قطر وشعبها، ويدمر اليمن تدميرا لم يفعله انهيار سد مأرب !
تراه يتحدث عن كرامة المملكة ونفوذها وقدرتها على الحصول على السلاح النووي حتى تكاد تجزم أنه زعيم وطني قادر على صنع المعجزات ... ثم تراه يجلس على الهواء مباشرة أمام العالم كله بصحبة "ترامب"، يوقع معه صفقات بالمليارات، ثم يسخر منه الأخير بالقول (هذه المليارات مجرد "مكسرات" بالنسبة لك) !
حالة بن سلمان هي الحالة نفسها لبن زايد، ولبن علي، ولبن سيسي، ولكل أبناء الدبابة، أبناء الأنظمة المستبدة، تراهم علينا أسودا، ومع أعدائنا أذل من فأر في مصيدة.
تتوالى الأحداث تمهيدا لما يسمى بصفقة القرن، وهي قفزة في الهواء لمجموعة هواة في عالم السياسة، بدء من عملاء العرب وعلى رأسهم "سيسي"، وصولا للثور الهائج في البيت الأبيض.
خطة خبيثة، طموحها في الشر لا مثيل له، ولكن تنفيذ ذلك على الأرض شبه مستحيل، ومن يدري ... لعل إصرارهم على هذه الخطة المستحيلة يكون فتحا لأبواب فرج كبرى تنقذ شعوب هذه الأمة التي تتوق للحرية.
ما زالت مصيبتنا في قادتنا، وما زالت مشكلتنا الكبرى هي تلك الأنظمة العسكرية العميلة التي لا تملك من أمرها شيئا، لا يجيدون شيئا سوى القتل والقمع لشعوبهم، وغاية غاياتهم، وقمة ذكاء قادتهم السياسي (من يتنازل أكثر للأمريكان ولإسرائيل)، هذه هي السياسة بالنسبة لهم.
لقد رأينا الجيش السوري يقصف دمشق، والجيش الليبي يقصف بنغازي، والجيش المصري يقصف سيناء، والجيش اليمني يقصف صنعاء وتعز ... ولم نر جيشا من هذه الجيوش التي يقودها مجموعة من العملاء يقصف عدوا حقيقيا للأمة !
نحن أسرى لدى هذه الجيوش، وهذه الجيوش نفسها في حالة أسر لدى هؤلاء العملاء !
لقد بدأ الربيع العربي رحلة التغيير في الوطن العربي، وتعثرت تلك المسيرة بانقلابات عسكرية متنوعة، وهذا التعثر لن يوقف مسيرة التغيير، بل سيطيل الطريق، ويرفع الثمن.
لقد انتهت هذه الأنظمة، وذهبت شرعيتها إلى الأبد، وما زالت المشكلة الآن في طرح البديل القادر على تمثيل طموحات الناس، لكي يتحركوا معه كما تحركوا في عام 2011.
شباب الثورات العربية سيقدمون ذلك الطرح، مسألة وقت، هكذا يحكي لنا التاريخ، والأيام بيننا.
أضف تعليقك