من سخريات القدر أن يخطئ المرء في مجاله تخصصه، ويكون خطؤه بحجم خطأ حاصل على رتبة المشير، وسبق له العمل وزيراً للدفاع فيطلق على الصواريخ "الباليستية"، الصواريخ "البلاستيكية"، مما يجعل من السؤال: هل تخرج عبد الفتاح السيسي في الكلية الحربية فعلا؟ وهل عمل كل سنوات خدمته ضابطاً حقيقيا؟
في مسلسل "المال والبنون"، قام الممثل الفكاهي الراحل "وحيد سيف" بدور "على لوز"، الذي يعمل في الملاهي الليلية، وعند تقدمه للزواج من "عبلة كامل"، أو "رقية" قال إنه يعمل ضابطاً، فاستقر في وجدانها أنه "ضابط شرطة"، لكن بمرور الوقت عرفت مهنته الحقيقية، وكان رده أنه لم يخدعها فهو "ضابط إيقاع"، أي "آلاتي" بلغة الموسيقيين، فهل كان صاحبنا كوحيد سيف؟!
السيسي تأسست على أيامه "الثانوية الجوية" فالتحق بها، وفي برنامج الحزب الذي تقدمت به للجنة شؤون الأحزاب في سنة 2004، باعتباري وكيل المؤسسين طالبت في برنامجه بإلغاء هذه الثانويات، ومن بينها الثانوية العسكرية، لينشئ الشباب بشكل طبيعي في هذه المرحلة المتقدمة، وليحدد رغباته بعد اجتيازها، وجاء تقرير الرد خطبة منبرية عن أن العسكرية رجولة، والعسكرية شرف، وكان في ذلك تجاوزاً من اللجنة لاختصاصها، فليس لها إلا أن تقارن بين برنامج الحزب الجديد بالأحزاب القائمة للوقوف على توافر شرط التميز، من عدمه!
وهناك مبرر موضوعي لإنشاء "الثانوية الجوية"، يتمثل في أن الكلية الجوية تحتاج إلى كفاءة من نوع خاص، ويُذكر أن عبد الناصر شعر بالأسى لأنه لم يثبت أن من بين المتقدمين ذات سنة من يصلح للالتحاق بهذه الكلية بسبب الأنيميا والفقر، فكانت هذه الفكرة، التي اعترض عليها المسؤول عن الكلية الجوية، لأنه سيكون ملزماً بقبول من لم تتوافر فيه شروط اللياقة بعد حصوله على الشهادة الثانوية الجوية؟، فكان القرار بعدم إلزامه بقبولهم، على أن تقبلهم الكلية الحربية في حال أن رفضتهم "الجوية"!
وحلم السيسي بأن يكون طياراً ولم يتحقق حلمه، فلم تقبله الكلية الجوية، فتم قبوله بالكلية الحربية بدون الالتفات إلى شرط طول القامة المطلوب في الأحوال العادية، وقد توافرت بالمناسبة الشروط الصارمة للكلية الجوية في الفريق أحمد شفيق!
وليس هذا موضوعنا، فما يعنينا أن السيسي "ضابط" بالجيش وليس "ضابط إيقاع"، فلم تقتصر دراسته العسكرية على الكلية الحربية إنما سبقها بثلاث سنوات في "الثانوية الجوية"، وعندما يخطئ في نطق "الصواريخ الباليستية"، فيقول "البلاستيكية" وكأن خبرته اكتسبها في مصانع "الشريف للبلاستيك"، فإننا نكون أمام حالة من عدم التوفيق الإلهي، علم الله أن فينا ضعفاً!
فالخطأ ليس في أمر بعيدا عن مجال تخصصه الدقيق، حتى يمكن لخصومه أن يستدعوا دعاية "أبو خمسين في المئة"، وعلى ذكرها فقد شاهدت في ميدان "التحرير" في واحدة من تجليات ثورة يناير، ضابطا عظيماً يصرخ في الثوار وهو يطلب منهم أن يهتفوا بأي هتاف آخر، إلا هذا الهتاف لأنه يغضب الضباط، واقترح وهو في الوضع صارخاً أن يكون الهتاف بسقوط حكم العسكر. فالهتاف المقترح على قسوته أهون من "أبو خمسين في المئة"، ولم ينصاع له الشباب، فاستمر الهتاف الأول والثاني!
لا يحتاج السياسي أن يكون متفوقاً في دراسته، فالتنظيمات التي انطلقت من غلاف "سلاح التلميذ"، لم تنجح في ممارسة السياسة، "وسلاح التلميذ" لمن لا يعلم هو كتاب خارجي في الشهادات في مرحلة قبل الجامعة، ويضع على غلافه الأخير صور المتفوقين في كل عام، عن العام الفائت، والقاعدة أن هؤلاء مشروع علماء وخبراء وأساتذة جامعات، والسياسة مجالها مختلف، وكون الضباط لم يتفوقوا في الثانوية العامة فليس هذا دليل إدانة، إذا مارسوا عملهم، ولم يتصدروا للحكم، الذي ليس بالضرورة أن يصلح له من نشر اسمه على سلاح التلميذ!
ومهما يكن، فالسيسي يفخر بأنه عسكري، فقد قال عن نفسه في معرض الفخر لست سياسيا، وعندما قالت له مذيعة أجنبية في سياق المديح: أنت دبلوماسي، بادر على الفور ليقول لها إنه عسكري. ربما اعتقد أنها وزير القوى العاملة، وأنه تقدم لها لشغل وظيفة ما، فكان حرصه على تقديم مؤهلاته الوظيفية!
فهذا العسكري، المستدعي لعسكريته في غير مجالها، يُخطئ في نطق اسم صاروخ، والمفروض أن يحاضر في العلوم العسكرية أمام الحاضرين لاجتماع القمة العربية باعتباره العسكري الوحيد تقريباً، فلا يكون أمامي إلا أن استدعي خلفيتي الصوفية، وأقول: إنها تدابير ربك!
لقد كان القوم يتصيدون للرئيس محمد مرسي، ليسخروا منه فيروجوا أنه يفتقد للمقومات التي ينبغي أن تتوافر في شخص الرئيس، ونجحوا في مهمتهم فإذا بالسيسي يقدم كلما نطق الدليل على عدم أهليته للحكم بدون تصيد ومع التماس الأعذار، ليكون بخطئه حديث العالم، فغطى اصطلاح "الصواريخ البلاستيكية" على كل ما دار في القمة، حتى تحول إلى عنوانها الوحيد، وانتقل بها إلى ساحة الفكاهة، ومسرح السخرية، لتكون فضيحة يتغنى بها الركبان!
لقد تحرك ذبابه الإلكتروني، ليؤكد أن ما ذكره السيسي صحيحاً، وأنه ترجمه حرفية لاسم الصاروخ، لأن الكلمة تنتهي بالحرفين (ic)، ليكونوا كالدبة التي قتلت صاحبها، فقد خرجوا من حفرة ليهووا به في "دحديرة"!
فالترجمة لا تكون بالهجاء، وإلا أصبح اسمه "أبد الفتاح" وصار اسم ابنه "مهمود"، والمدون في خانة الديانة ببطاقته الشخصية "اسلمك"، وأصبحت دورة الألعاب الأولمبية، دورة الألعاب "الأولمبيكية"، وصار تعريف "أكاديمي" خاطئ وصحته "أكاديمك"!
وإذا صحت الترجمة بالهجاء، لصارت "بالستيك" فمن أين جاء بـ "البلاستيكية" إلا إذا كنا أمام طباخ في "مسمط"!
ولم يقل أحد من العرب العاربة، أو المستعربة، أو الأقحاح، من قبل أن الصواريخ التي يقصف بها الحوثيون السعودية هي صواريخ "بلاستيكية"، وفضلا عن هذا فإنه في خطابه المكتوب جاء النص "باليستية" وهو الخطاب الذي جرى توزيعه على الصحفيين ونشر على صفحته على الفيس بوك قبل أن يجري حذفه، وهو ما يؤكد أن نصاً فيهما خطأ وإليه يعود النصان!
كان يمكن للأمر أن ينتهي بعد يوم واحد، لولا تدخل المليشيات الإلكترونية لتنقذه من الغرق، بينما هو يقف في "البانيو" وليس في "البحر المالح" وهو ما كان ينطق شعبياً على البحر المتوسط، فجاءت الأغنية الشعبية: "يلي على الترعة حود على المالح"!
وعلى فكرة، فإن "البانيو" هو تعريب للكلمة الإنجليزية bathtub، وهى بالهجاء لا تكون هكذا أبداً.
لقد امتد عرض الفكاهة ليوم آخر، بفضل من جاءوا لينقذوا صاحبهم من الغرق، والذي أخطأ فيما لا يمكن أن يخطئ فيه ضابط إيقاع!
إنها تراتيب ربك الذي علم أن فينا ضعفا!
أضف تعليقك