بقلم: أسامة الرشيدي
"قطر تصبح جزيرة" هكذا ركزت وسائل إعلام سعودية مع ما سمي "مشروع قناة سلوى" الذي يتضمن، وفقاً للمعلومات المنشورة، إنشاء قناة بطول 60 كيلومتراً لاستقبال الحاويات والركاب، وتتضمن ميناءين ومنتجعات وفنادق وشواطئ خاصة، على أن يكون الجانب المحاذي لقطر من القناة منطقة عسكرية.
وبالطبع، هللت وسائل إعلام وشخصيات لهذا المشروع، (وهل يملكون غير التهليل؟)، ووُزِّع سيناريو موحَّد على مذيعي القنوات المصرية لبثه على الجمهور، إذ يلاحظ المتابع بسهولة تطابق ما قاله أحمد موسى مع ما قاله زميله في التهليل عمرو أديب عن القناة وتأثيرها، فقد طالبا السلطات السعودية بأن يحفر المصريون القناة، نظراً لخبرتهم في حفر القنوات خلال 12 شهراً، في إشارة إلى تفريعة قناة السويس. ووصل التهليل إلى إطلاق تصريحاتٍ لا يعرف قائلوها إنها تضرهم وتشوه صورتهم أكثر مما تنفعهم، فقد شبّه وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، القناة بأنها "خط بارليف"، من دون أن يدري أنه بذلك يشبه السلطات السعودية بالإسرائيليين. كما وصل الأمر بسعوديين إلى التفاخر بأن القناة سيتبعها إنشاء مفاعل نووي ودفن نفاياته في موقع على الحدود السعودية القطرية، من دون أن يستوعبوا، في غمرة حماستهم للتهليل والتطبيل، أن النفايات النووية ستكون، في هذه الحالة، مدفونة داخل الأراضي السعودية نفسها، ما سيضر بالسكان والبيئة المحيطة ضرراً شديداً.
وعلى الرغم من هذا التهليل، إلا أن أصواتاً عاقلة نوعاً ما لم تنجرّ وراء ذلك، منها الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله الذي وصف المشروع بأنه "من وحي خيال شاطح ليس له أي بعد استراتيجي، ولا يستحق أن ينفق عليه دولار واحد" داعياً إلى الاستثمار "فيما يفيد الناس ويقارب بينهم".
بالفعل، ليست للمشروع أي جدوى اقتصادية أو استثمارية أو سياحية، وهو مجرد مناكفة سياسية صبيانية، كما أن أحداً لن يستثمر في بقعة سياسية ملتهبة، قد تنفجر في أي لحظة، خصوصاً بعد طرحها بهذا الأسلوب الفج، والحديث عن دفن نفايات نووية بجوارها! بالإضافة إلى أن السعودية لا تحتاج شواطئ إضافية، حتى تحفر قناة تكلف المليارات من أجل إيجادها من العدم، وربما يكون الأمر مجرّد تصعيد إعلامي معتاد من دول الحصار. فما هي أهمية أن تتحول قطر من شبه جزيرة إلى جزيرة؟ هل سينقص ذلك منها؟ تحولت دولة قطر إلى جزيرة بالأمر الواقع، بعد إغلاق الحدود البرية مع السعودية، وهو أمر لم يكن له أي تأثير على الدوحة التي استمرت الحياة فيها من دون تغيير، فلن يكون هناك ضرر إضافي، إذا افترضنا وجود ضرر أصلي، إذ توجد عشرات الدول التي لا تمتلك حدوداً برية، ولا يؤثر ذلك عليها، سواء كانت دول كبرى، مثل بريطانيا، أو صغرى مثل جزيرة البحرين المجاورة التي لا يدري إعلام دول الحصار أنه يهينها عندما يتحدّث عن "جزيرة قطر" وكأنها سبّة. ولم تشتك أي من تلك الدول من الجغرافية التي تعيش فيها، اللهم إلا إذا كان الأمر مجرد إنجاز وهمي جديد يمكن أن يضاف إلى دول الحصار، في ظل رغبتها في تحقيق أي انتصارات. ويبدو أن التجاهل القطري التام للإعلان عن المشروع قد أصاب دول الحصار بالقلق والغضب، فغرّد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، واصفاً ذلك التجاهل بأنه "دليل خوف وارتباك"! في مسعىً منه إلى إبراز أي نجاح وهمي للمشروع المعلن عنه.
منذ تولَّى منصب ولي ولي العهد، أعلن ولي العهد السعودي الحالي، محمد بن سلمان، عن عشرات المشروعات السياسية والاقتصادية، بدءاً من حرب اليمن مروراً برؤية 2030 وإنشاء هيئة الترفيه التي أغرقت المملكة بمئات الحفلات والفعاليات الفنية، وكذلك مشروع نيوم والمشروع السياحي في البحر الأحمر، وغيرها عشرات المشروعات التي يُنسي بعضها بعضاً من فرط كثرتها، والتهليل لها، ولفوائدها العظيمة للمملكة والخليج والمنطقة والعالم! مشروعات تذكرنا بحليفه المصري، عبد الفتاح السيسي، صاحب الرقم القياسي في المشروعات الكبرى الوهمية التي لا قيمة لها، فقناة سلوى نسخة سعودية من تفريعة قناة السويس التي ضرب بها عمرو أديب المثل في الإنجاز خلال 12 شهراً، من دون أن يقول النصف الآخر من الحقيقة، وهو أن المشروع فاشل بامتياز ولم يحقق لمصر دولاراً واحداً إضافياً، بل تراجعت إيرادات قناة السويس بعد افتتاح التفريعة، نتيجة تراجع حجم التجارة العالمية، وهو ما جعل المسؤولين
المصريين يلجؤون إلى حركة لا يقوم بها إلا الحواة والمحتالون، وهي تحويل الإيرادات إلى جنيهات للإيحاء بزيادتها! ويبدو أن بن سلمان قد تأثر بالـ"الفهلوة" المصرية، وقرر اتباعها في مملكته، بالإعلان عن مشروع القناة الجديدة لحصار قطر.
ويتشابه الرجلان في سياساتٍ عديدة أخرى، مثل القضاء على أي معارضة في الداخل، والتنكيل بها، وعدم محاولة تكوين تحالفات داخلية تمنح بعض الشرعية، وكذلك محاولة شراء تلك الشرعية من الخارج بشكل أساسي، بعقد صفقات ضخمة لشراء أسلحة، والاتفاق على استثمارات خارجية بعشرات مليارات الدولارات. ولذلك، يحاول الرجلان تحقيق بعض من تلك الشرعية داخلياً، بالإعلان عن تلك المشروعات، فلا تكاد تمر فترة، حتى يتم الإعلان عن مشروع وهمي، يلحق بسابقيه ويثير السخرية أكثر مما يثير التفكير الجاد، وهي سخريةٌ تتشابه كثيراً في البلدين، إلى درجة أنه يمكن مقارنة كل مشروع وهمي في مصر بـ"توأمه" في السعودية والعكس صحيح، ويبدو أننا على موعد مع مزيد منها مستقبلاً، سواء في السعودية أو في مصر، فالعرب متشابهون، حتى في أوهامهم.
أضف تعليقك