كتب وائل قنديل:
حسناً، سيتوقف النابشون في الماضي عن ترديد ما تعتبره أكاذيب وافتراءات، يا دكتور برادعي، فهل تتوقف أيضاً عن لعبة الاستغراق في الماضي، بحثاً عن وثائق براءة من المشاركة في حاضر معتم، يريد التأسيس لمستقبل أكثر عتامة؟.
لم تضف تغريدات البرادعي الأخيرة جديداً لما سبق له الخوض فيه، من خلال سلسلة حلقات حوارية مع "تلفزيون العربي" قبل أكثر من عام، ولم تخرج عن مضمون ما أدلى به في مايو 2015، في مؤتمر "حالة الاتحاد الأوروبي" الذي استضافته إيطاليا، وكان ذلك نص أقواله "ما حدث بعد ذلك كان مخالفاً تماما لما وافقت عليه كخارطة طريق. ما وافقت عليه: 1. إجراء انتخابات رئاسية مبكرة 2. خروج كريم للسيد محمد مرسي 3. نظام سياسي يشمل الجميع، بما فيهم الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين 4. بدء عملية مصالحة وطنية وحوار وطني وحل سلمي للاعتصامات، وقد كانت هناك خطة جيدة للبدء في هذا الطريق. ولكن، كل هذا ألقي به من النافذة وبدأ العنف، وعندما يكون العنف هو الأسلوب، ويغيب عن المجتمع مفهوم العدالة والهيكل الديمقراطي للعمل السياسي، فلا مكان لشخص مثلي، ولا يمكن أن أكون مؤثراً".
نصدقك حين تقول إنك خدعت، ولن نجترّ مجدّداً أحاديث الصدمة، والأسى، على رجلٍ هو الأكثر دراية بأساليب نظم الاستبداد العسكري، ومع ذلك سمح باستخدامه، قنطرة لاستعادة السلطة من المدنيين، حتى وإن كان لا يليق هنا القول إن الرجل الذي حفظ سيناريوهات الانقلابات العسكرية، المحمول على ظهور ثوراتٍ مضادّة، حفظها عن ظهر قلب، قد خُدِع.. ولم تسعفه خبرته الطويلة في العمل في الأمم المتحدة، وانخراطه، بحكم الوظيفة، في قضايا الانتقال والتحول، ووعيه بالتاريخ.
ولن نكرّر ما قلناه عن اعتبارك ضحية حساباتٍ خاطئة، فرضتها نزوةٌ براغماتيةٌ طائشة، استبدت فيها نوازع الكراهية الأيديولوجية، فعمت الإبصار، وتحجرت الضمائر، ولو لفترة سريعة، إلا أنها كانت كافيةً لتدمير كل شيء، وتدمير البرادعي نفسه، قيمةً وتميمةً للنضال السياسي المؤسس على المبدأ، وليس المكسب.
سنتغاضى عن ذلك كله، ونوجه عناية سيادتك إلى أن مجرد اقترابك من المأساة المصرية الحالية لا يزال قادراً على إحياء آمال النفوس المتعبة في استعادة نسقٍ مفقودٍ في النضال السياسي، إنقاذاً لوطنٍ، أنت أول من يأسى على حاله.. كما أنه لا يزال قادراً على بث القلق والخوف داخل سلطةٍ تقتل معنى الوطن، وتدمر مفهوم المواطنة، وتحول المواطنين إلى مقتنياتٍ يمتلكها صاحب السلطة، فيحدثها عن حتمية أن تتعذّب، كي يبقى الوطن في جيبه، وبين أصابعه، يعصره يومياً، ويقدمه شراباً للأعداء.
لعلك لا تدرك، أو تدرك لكنك تتجاهل، أن مضمون تغريداتك كان حاضراً في حفل عبد الفتاح السيسي مع شبابه المختار، أول من أمس، وهو يتحدّث بكراهيةٍ مرتعدةٍ لما أسماه "الإجراء الاحتجاجي الواسع" الذي هو الثورة، كما تعلم سعادتك، فيكرّر منفعلاً التلويح بقبضته للمصريين، آمراً بأن "يبقوا كده" حول الوطن، الذي هو شخصه البائس.
هل تعلم سعادتكم أنك كنت حاضراً كذلك في ذهنه وهو يصدر عفوه الرئاسي عن شخص يصنف من أشهر أدوات البلطجة السياسية، فيضطر إلى العفو عن معتقلين ينتمون إلى حزب كنت أنت على رأسه يوماً، لتمرير قراره الفج بإطلاق سراح تاجر السلاح؟.
قلت لك منذ سنوات أنه لا يليق بك أن تستسلم لحالة"فعل الماضي الناقص" وأنت الذي قدمت نفسك للمجتمع المصري بوصفك"صنايعي مستقبل" للتحول الديمقراطي والانتقال إلى عصر الحداثة السياسية، ومن ثم لا يعقل أبداً أن يكون مبتدأ همك ومنتهاه أن تثبت للناس أنك الصح وأن الآخرين هم الخطأ، مقلباً فيما قتل تقليباً ونقاشاً من الماضي القريب.
فقط، قل لنا الآن ماذا لديك من أجل المستقبل الذي كنت أحد صناع الحلم به في مفتتح العام 2011.
أزعم أنه لا يعيبك أو يشينك إن اعتذرت للدماء التي أريقت، والوطن الذي صار موضوعاً للحسرة والأسى، ثم تخرج من حالة"كانوا وكنا وعملوا وعملنا"وتفعل شيئاً يساهم في انتشال البلاد والعباد من حاضر تعيس يدمر كل أمل في مستقبل يليق بالبشر.
أضف تعليقك