بقلم: سمير الشمايلة

بعد مرور حوالي عام على الأزمة الخليجية يُطرح سؤال جوهري هو: كيف نجحت آلية صناعة القرار في دولة قطر في مواجهة أزمة الحصار المفروض عليها منذ شهر يونيو 2017؟  وكيف استطاعت حفظ كيان الدولة وقيمها الجوهرية؟
 

لا شك أن عملية صناعة القرار في السياسة الخارجية هي عملية صعبة ومعقدة، وتزداد صعوبتها في ظل الأزمات نتيجة لما تتميز به من خصائص عديدة أهمها المفاجأة العنيفة، وتهديدها الخطير للوضع القائم، وسرعة تتابع أحداثها ونتائجها السلبية المتوقعة، وهو ما يولد ضغطا كبيرا على صانع القرار فيما يتعلق بالوقت المتاح للتعامل مع الأزمة، حيث تبرز هنا أهمية صناعة القرار المناسب الذي يحفظ كيان الدولة ووجودها.
 

للأزمة في العلاقات الدولية عدة تعريفات من بينها أنها تدهور خطير في العلاقات بين دولتين، أو أكثر نتيجة تغير في البيئة الخارجية أو الداخلية للأطراف المشاركة في الأزمة. هذا التدهور يولد لدى صناع القرار إدراكا بوجود تهديد خارجي للقيم، والأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية، ويزيد من إدراكهم لاحتمالات الدخول في مواجهة عسكرية، كما يزيد من إدراكهم ووعيهم لضغوط الوقت المحدد اللازم للاستجابة لذلك التهديد والرد عليه.
 

تتميز الأزمة بصفات عديدة منها انها تشكل انهيارا للهياكل المألوفة التي تمنح النظام السياسي والاجتماعي القائم شرعيته، وتهدد القيم الجوهرية التي يرتكز عليها، كونها موقف غير اعتيادي وغير متوقع، شديد التعقيد والتشابك، ذو أحداث متلاحقة، يهدد قدرة الفرد أو المنظمة أو المجتمع على البقاء. كما يصاحب الأزمة حالة من عدم التأكد والضبابية نتيجة نقص المعلومات، وقلة المعرفة، ومن ثم ضعف القدرة على التنبؤ باتجاه حركة الأزمة، مما يولد تشويشا" وغموضا" عاليا" وصعوبة بالغة في اتخاذ القرار واختيار البديل الأفضل، ويضع صانع القرار تحت الشعور بضخامة المسؤولية ويزيد من حالة التوتر الشخصي، مما يزيد من احتمالية اتخاذ قرارات غير عقلانية. 
 

وقد واجهت دولة قطر في الخامس من يونيو 2017 أزمة خطيرة تمثلت في إعلان 3 دول خليجية هي: السعودية، والإمارات العربية والمتحدة، والبحرين (إضافة إلى مصر) قطع كافة علاقتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. 
 

الأزمة كانت غير مسبوقة في شدتها فقد اتسعت لتشمل حصارا بريا وبحريا وجويا وقطعا للعلاقات الدبلوماسية وكل قنوات اتصال هذه الدول مع دولة قطر، والتحريض على تغيير النظام السياسي ومحاولة صناعة شخصيات بديلة للقيادة، والهجوم الإعلامي ونشر الشائعات وتحريض دول العالم على قطع علاقاتها مع دولة قطر، وتحريض الدول الكبرى لاتخاذ موقف مؤيد لهذا الحصار، ومحاولة رسم صورة نمطية سلبية لدولة قطر اعتمدت على 3 تهم رئيسية وهي العلاقة مع إيران ودعم حزب الله وحماس والقاعدة!!! والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وعبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عبر في مؤتمر صحفي عقده في بباريس بتاريخ 6 يونيو 2017 عن الهدف من إثارة هذه الأزمة هو "دفع قطر إلى الخضوع والاستجابة لمطالب السعودية والإمارات".  
 

علاوة على ظروف الأزمة تحيط بدولة قطر ظروف معقدة تزيد من صعوبة صناعة القرار فيها، فهي تصنف ضمن "الدول الصغيرة"، وتوجد في منطقة شديدة الاضطراب، تكثر فيها التوترات السياسية والحروب، وتحيط بها قوتان كبيرتان؛ هما: إيران، والسعودية، وهي مضطرة إلى اتخاذ آليات غير تقليدية في صناعة القرار لحماية كيانها من الأخطار المحيطة بها، والأزمات التي قد تؤثر عليها.

بعد مرور حوالي سنة على حصار قطر استطاعت آلية صناعة القرار في قطر أن تخفض مستوى تأثير أزمة الحصار على الدولة، مما ساهم في الحفاظ على بقاء الدولة وحمايتها من الأخطار السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وإن نجاح صانع القرار في دولة قطر في إدارة الأزمة بني على عوامل عديدة لعل من أهمها: 
 

1-الاستعداد المسبق من خلال التخطيط الاستراتيجي وعقد التحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية لحماية وجودها واستقرارها عند وقوع الأزمات. وقد عبر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن هذا المبدأ خلال كلمته التي ألقاها في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير/شباط 2018، حيث قال: "من خلال نزع فتيل تأثير الإجراءات غير القانونية والعدوانية المفروضة على شعبنا، حافظت قطر على سيادتها. ولقد أظهر هذا الحصار الفاشل كيف يمكن للدول الصغيرة أن تستخدم الدبلوماسية والتخطيط الاقتصادي الاستراتيجي لمواجهة عواصف العدوان من جيران كبار وطامعين". 
 

2-الاستجابة الصحيحة والسريعة والاستثنائية منذ البداية في التعامل مع الإعلام والجمهور، وإعادة بناء العلاقات وترسيخ مصداقية الدولة.
 

3-السلوك العقلاني والواقعي والهادئ للدبلوماسية القطرية، حيث اتسمت بالإيجابية والمرونة والاستعداد لبحث كافة القضايا وتقديم الحلول الممكنة منذ بداية الأزمة.
 

4-التحرك الدبلوماسي السريع والفعال وبناء موقف دولي وإقليمي رافض للحصار.
 

5-موقف قطر الإيجابي من قضايا الأمة العربية والإسلامية خاصة موقفها من القضية الفلسطينية في ظل المخاوف من فرض تسوية غير عادلة لحل القضية الفلسطينية عبر ما سمي بصفقة القرن والتي ارتبطت سمعتها السيئة عند المواطن العربي بدول الحصار.