• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: عبدالوهاب بدرخان

لم تكن هناك مطالبة بسقوط النظام أو تغييره، بل بإسقاط قانون يلقي مزيدا من الأعباء على كاهل أبناء الفئتين الفقيرة والوسطى، ولما لم تستجب الحكومة طلب الشارع معاقبتها بترحيلها. وهكذا كان. لم يستطع العاهل الأردني تجاهل الانتفاضة الشعبية التي عمّت مختلف أنحاء البلاد، وتميزت بسلمية واضحة وشعارات محددة وببقاء الأحزاب التقليدية على حدة ومد شبابي واسع. كانت جرعات رفع الضرائب والأسعار قد أوجعت المواطنين، الذين حاولوا عبثا استيعابها واعتيادها، وتفهم أسبابها وحتميتها، جاعلين من السكوت والتحمل مساهمة ضرورية في الاستقرار، لكن تكرار رفع الأسعار في حقبة زمنية قصيرة لم يكن مؤشرا على سوء إدارة، بل على قلة إدراك. ولم يكن هناك تفسير واقعي واحد لهذا النهج سوى أن المخططين لإصلاح الوضعين المالي والاقتصادي، وفقا لشروط صندوق النقد الدولي، احتاجوا إلى مبلغ يضخونه في الميزانية ولم يجدوا وسيلة سوى انتزاعه من جيوب الناس.

وضع الفريق التقني في حكومة هاني الملقي خطة الإصلاح بناء على المعطيات المتوفّرة لديه، غير أن الفريق السياسي استسهل الأضرار «الجانبية» أو لعله بنى على إخفاق الحراك في سياق «الربيع العربي» مستنتجا أن أي احتجاجات على الضرائب لن تتخطى حدودا معينة، لأن الناس ارتدعت بما رأته في تجارب البلدان الأخرى وأصبحت تخاف أي فوضى وأي وضع يمكن أن يزعزع الاستقرار. كانت تلك حسابات خاطئة. فالنقمة تحولت مع الوقت إلى غضب اجتماعي عارم، وفيما راحت الصعوبات تحاصر آخر إمكانات العيش الكريم وتهدد المستقبل فإن انفجار الغضب صار متوقعا في أي وقت. ثم جاءت ذروة التهور الحكومي بطرح مشروع قانون الضريبة على الدخل. كانت تلك حالٌ نموذجية لمواجهة بين دولة وشعب، وكلاهما بلا إمكانات أو خيارات.

نال الحراك الشعبي ما أراد، لكن الأزمة الحقيقية باقية ومرشحة للتفاقم. فالأردن بلد تمكن من الحفاظ على استقراره رغم قلة موارده وتكاثر الأعباء عليه، ليس فقط بسبب لجوء السوريين إليه والعراقيين قبلهم، بل أيضا بسبب براكين النزاعات الأهلية التي تحيط به، فضلا عن حال الاضطراب الدائم جراء تهرب إسرائيل من متطلبات ومسؤوليات حل حقيقي للقضية الفلسطينية. ليست جديدة ولا طارئة على الأردن تلك الصعوبات التي يعاني منها الآن، لكن الجديد والطارئ هو انقطاع المساعدات العربية، وتحديدا الخليجية، التي كانت تمكنه من تدوير زوايا العجز في ميزانياته. ولهذا أسباب عزاها الملك عبد الله الثاني إلى ضغوط سياسية، ومع أنه لم يكشف عنها صراحة إلا أن الأمر يتعلق بحمل عمّان على السير في ركاب «صفقة القرن» ومباركة الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالتالي الانضواء في المحاور والاستقطابات العربية والإقليمية الناجمة عن سياسات أميركية أقل ما يقال عنها إنها بالغة العداء للمصالح العربية.

لا شك أن تغيير الحكومة يفترض هذه المرة تغييرا في مقاربة الشأنين الاقتصادي والاجتماعي، وليس في إمكان صندوق النقد الدولي سوى أن يتفهم بدوره الصعوبات ويوافق على إصلاحات بطيئة وتدريجية، فلا الصندوق ولا القوى الدولية المتحكمة بعمله تستطيع أن تحقق أهدافها بمجرد الضغط على الحكومة واستعجالها. في الوقت نفسه، إذا بقيت الضغوط الأميركية والعربية على حالها، وهذا مرجح، فلن يعني ذلك سوى أن أصحابها يرومون النتيجة نفسها: استهداف استقرار الأردن كجزء من «صفقة القرن».

أضف تعليقك