بقلم: الأستاذ جمعة أمين
معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضى الله عنهم :
عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه قال : إني لواقف يوم بدر في الصف فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال : يا عماه أتعرف أبا جهل ؟ فقلت : نعم وما حاجتك إليه ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فغمزنى الآخر فقال لي أيضاً مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل وهو يجول في الناس فقلت : ألا تربن هذا صاحبكم الذي تسألاني عنه ؟ فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه قال كل منهما : أنا قتلته قال : (( هل مسحتما سيفيكما ؟ ))قال : لا قال : فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال : ((كلاهما قتله )) وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموع والآخر معاذ بن عفراء .
هذا موقف من المواقف الإيمانية لشابين من الأنصار والأنصار مدحهم الله عز وجل بالإيمان فقال عز وجل { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم } الحشر 9] انقضا رضى الله عنهما على قائد كتيبة الكفر يوم الفرقان كأنهما صقران وقد حز في نفس أبى جهل أن يقتله شباب من الأنصار واعتبر ذلك إهانة له ففي الصحيح عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من ينظر لنا ما فعل أبو جهل ؟ )) فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فأخذ بلحيته فقال / أنت أبو جهل .
فقال : وهل فوق رجل قتلتموه أو قال : قتله قومه .
قال : وقال أبو مجلز ، غير أكّار قتلني .
قال النووي : قوله : (( لو غير أكار قتلني )) الأكار : الزراع والفلاح وهو عند العرب ناقص وأشار أبو جهل إلى ابني عفراء اللذين قتلاه وهما من الأنصار وهما أصحاب زرع ونخيل ومعناه لو كان الذي قتلني غير أكار لكان أحب إلى وأعظم لشأني ولم يكن على نقص في ذلك .
مع الغلمان
عبد الله بن عمر وصحبه :
قال محمد بن عمر الواقدى في سياق رواية له : ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الشيخين فعسكر به وعرض عليه غلمان : عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس وأبو سعيد الخدرى وسمرة بن جندب ورافع بن خديج فردهم قال رافع بن خديج فقال ظهير بن رافع : يا رسول الله إنه رام ! وجعلت أتطاول وعلى خفان لي فأجازنى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما أجازنى قال سمرة بن جندب لربيبه مرى بن سنان الحارثى وهو زوج أمه : يا أبة أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردني وأنا أصرع رافع بن خديج فقال مرى بن سنان الحارثى : يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تصارعا ! فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أمه امرأة من بنى أسد .
في هذا الخبر مثل جيد على حب الصحابة رضى الله عنهم للجهاد وارتفاع مستواهم التربوي حيث حببوا الجهاد لأنبائهم فأصبح غلمانهم يتسابقون إلى ميادين الجهاد .
وتتبدى هذه المظاهر المتأصلة في نفوس هؤلاء الغلمان في خروجهم مع جيش المسلمين وكلهم أمل في أن جزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يشاركوا في الجهاد كما تتبدى في إلحاح رافع بن خديج على ولى أمره ليقنع النبي صلى الله عليه وسلم بالسماح له بالجهاد بحجة أنه يجيد الرماية ويشفق على نفسه من رد النبي صلى الله عليه وسلم بالرفض فينتصب قائما على أصابع قدميه ليبدو طويلا قد بلغ مبلغ الرجال مخفيا هذا التطاول بخفيه السابغين اللذين يخفيان عقبيه ويتم فوزه بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم إياه .
وتأخذ الحسرة سمرة بن جندب الذي رد مع الغلمان ويعصف به الشوق إلى الجهاد فيدلى بمسوغ آخر للقبول وأليس يصرع رافعا ؟ فهو إذا أقوى منه وما دام الأمر كذلك فهو أحق منه بالإجازة ويهمس بذلك في أذن وليه فينطلق بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرحا مسرورا بظفر ابنه بذلك المسوغ ويتصارعان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ويتم لسمرة ما أراد من تلك الإجازة .
إن فرحة هذين الغلامين وأمثالهما بالمشاركة في الجهاد تفوق كل ما خطر على بال أقرانهم من أسرى المباهج الدنيوية والأهداف القربة وذلك شاهد على ارتفاع مستوى المجتمع الإسلامي آنذاك في المثل السامية والقيم العالية .
أضف تعليقك