بقلم: ماهر أبو طير
يستبد بك الشعور بالغربة الشديدة في هذه الدنيا حين تستمع إلى من يقول إن قبض التعويضات المالية، على مستوى الأفراد، في حال حدوث حل نهائي للقضية الفلسطينية، أمر عادي جدا، وهو كلام تسمعه من أشخاص قد يتم تعويضهم على ممتلكاتهم أو أرضهم التي نهبها الاحتلال، أو بسبب هجرتهم إلى دول جوار فلسطين.
لم تكن لتسمع مثل هذا الكلام قبل عقدين. واليوم، بلغ اليأس بالناس مبلغا، حتى إن بعضهم يقول إن فلسطين ذهبت ولن تعود، فلماذا لا نأخذ التعويضات في حال دفعها؟ وهل رفض التعويضات سيغير من الواقع شيئا، أم انه رفض عدمي، فتضيع علينا فلسطين والتعويضات معا؟
بعضهم أيضا يقول إن رفض التعويضات في حال دفعها لن يغير من الواقع شيئا، فإسرائيل سرقت الأرض، ورفض التعويضات لن يعيدها، مثلما أن قبولها لن يمنح الاحتلال أي شرعية.
هذه خلاصات تسمعها من قلة، ولا أريد التعميم، لكن الكلام يتسبب بفجيعة، حين يصير النقاش أساسا بهذه الطريقة، ويصل حد الكلام عن التعويضات التي ستقبضها الدول المحيطة بفلسطين، فلماذا تكون حلالا للدول، وحراما على الأفراد، والكلام يتلون بألف لون وصيغة وطبعة؟.
من ناحية دينية، قبض التعويضات محرم، ولا أعتقد أن هناك أحدا لديه القدرة، أو الجرأة، على منح صك غفران لأي شخص قد يقبل هكذا تعويضات مالية، بدلا من أرضه المنهوبة، وإذا كان المعيار الديني والأخلاقي بات غائبا في حياة كثيرين، فإن غيابه في القضايا الشخصية قابل للمعالجة بأساليب كثيرة، لكن غيابه في القضايا الكبرى، التي تخص أمة كاملة، خطير جدا.
غياب هذا المعيار، تحت مبررات شتى، يعني الخيانة، وبيع الدين والضمير والوطن، ومن يقبل أي تعويض لا يختلف عمن يبيع أرضه مباشرة لإسرائيل. لا فرق أبدا. حتى لو قيل لنا إن المال الذي قد يدفع مقابل الأرض، كتعويضات، أو اللجوء، هو حق طبيعي، فاذا رفضه المرء، كان خاسرا.
كيف وصلنا إلى هذه المرحلة التي يلتبس على البعض أن لا فرق بين بيع الأرض مباشرة لسمسار إسرائيلي أو عبر قبول تعويض مالي عن فلسطين، إلا اذا كان البعض يريد تغيير المسميات فقط، من أجل تمرير النتيجة ذاتها، أي التخلي الطوعي عن فلسطين لليهود.
هذه الأنفس الميتة خطر على أمة بأكملها، وليس من حق أي شخص أن يقبض مالا كتعويضات عن ملكياته في فلسطين، أو تعويضات عن تهجيره، بحيث يتسبب عشرات آلاف الأشخاص، معا، في حال قبولهم التعويضات المالية بعار تاريخي، تتم إنزاله بالفلسطينيين بكونهم باعوا أرضهم وشرفهم، مقابل تعويضات مالية.
هم أساسا يتعرضون إلى تشويه سمعة، بكونهم فروا من بلادهم وتركوا أرضهم للإسرائيليين، ولا أحد ينصفهم -إلا قليل- حين يتحدثون عن ظروف اللجوء، وغياب التسليح، وعمليات القتل الإسرائيلية، والاعتداء على الأعراض عام 1948 وما تلا ذلك.
لا نستبق أي تسويات، لكننا نذكر قبل أن نصل إلى مرحلة يصير فيها المال بديلا عن فلسطين، إن كل الدنيا لا تغني عن الآخرة، وإن مال التعويضات مال ملوث، وحرام وطنيا وسياسيا، وكلفته كبيرة على من يبرر لنفسه بذريعة الحاجة أو الفقر أن يأخذه، أو تحت وطأة الاتكاء إلى ما يقوله البعض أن فلسطين ذهبت ولن تعود، فلماذا لا نأخذ المال؟!
وعد الله حق. فلسطين ستعود يوما. حتى ذلك الحين، يبقى طوق النجاة وسط هذه المحن، ألّا يفرط المرء بما وهبه الله من شرف، شرف هذه الأمة بأكملها، وشرف فلسطين، وشرف الانتماء إلى القدس بما تعنيه فلسطينيا وعربيا وإسلاميا.
فلسطين ليست للبيع، وإذا ابتليت بخونة في تاريخها فقد كان لها رجال، يضحون بدمهم وأرواحهم لأجلها أيضا، ومن العار مرة أخرى أن يهون البعض مشهد وقوف الفلسطينيين في طوابير قبض التعويضات المالية، باعتباره أمرا عاديا، وهذا كلام لا بد أن يقوله كل واحد للآخر.
أضف تعليقك