فضح يحيى حامد، وزير الاستثمار في حكومة الثورة وعضو فريق الحوار مع صندوق النقد الدولي خلال فترة حكم الرئيس مرسي، مؤامرة الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، لتدمير المصريين وإنهاء الطبقة الوسطى، لافتًا إلى رفض الرئيس الشرعي د. محمد مرسي مؤامرة صندوق "إفقار الشعب" "النقد الدولي.
وأشار حامد، في مقال عبر صفحته على فيسبوك، تحت عنوان "السيسي والاستهداف الممنهج للطبقة الوسطى بمصر" إلى حوارهم مع صندوق النقد الدولي إبان فترة الرئيس محمد مرسي، مشيرا إلى أن فريق خبراء الصندوق أراد أن يقلل الدعم؛ حتى يتم السيطرة على العجز المالي، وأراد فريق الصندوق أن يتم رفع الدعم بشكل مباشر، بمعنى أن تقوم الدولة بين ليلة وضحاها برفع الأسعار على الجميع وتخفيض الدعم، وهي طريقة الصندوق المعتمدة في الدول النامية، وكان رد حكومة هشام قنديل على مطالب الصندوق بتأكيد أن رفع الدعم سيكون غير مفيد، خاصة أن الدعم في مصر يتم سرقته بنسبة لا تقل عن 15 إلى 20%، فإذا تم غلق منافذ السرقة وإيصال الدعم لمستحقيه فعلا وبالكمية المناسبة فقط، فإن هذا كفيل أن يخفض الدعم بنسبة أفضل من النسب التي يطلبها الصندوق، وسيحافظ أيضا على الطبقات الوسطى والدنيا.
وحذر حامد قائلا: غياب الطبقة الوسطى، لن يدفع الناس إلى ثورة بل سيدفعها لمزيد من الانحلال الخلقي، وأن تفقد البلد بوصلتها الاجتماعية، سيظل السيسي يخرج بمزيد من الوعود التي لا تتحقق، وفي نفس الوقت سيبقى يسعى لتحطم ما تبقى من مصر، وفي القلب من خطته الصهيونية ألا يكون في مصر طبقة وسطى ولا حال وسط، وأن يبقى في مصر فقط فقر مدقع بلا أخلاق أو قيم، وطبقة أرستقراطية بلا إنسانية إلا فيما ندر.
وفيما يلي نص المقال:
السيسي والاستهداف الممنهج للطبقة الوسطى بمصر
-------------------------
إذا كانت سياسات مبارك الاقتصادية يمكن وصفها بالانحياز لطبقة رجال الأعمال مع وجود فساد إداري مستشر، إلا أنها كانت واضحة في عدم الاستهداف الممنهج للطبقات الوسطى والدنيا.
حاول مبارك أن يحافظ على الدعم المالي الموجّه من خلال المواد التموينية والبترولية لضمان عدم استفزاز الطبقات الدنيا، ومع زيادة عدد السكان وزيادة الأسعار العالمية للبترول، ازداد معها تكلفة الدعم على المالية العامة للدولة وأصبح الدعم يشكل حوالي ربع الموازنة السنوية للدولة، ولكن بقيت بوصلة مبارك واضحة تقوم على الانحياز لطبقة رجال الأعمال، والتعامل مع الفساد الإداري على أنه من المعطيات في الدولة مع عدم السعي الجاد للقضاء عليها، مع الحفاظ على أقل دعم ممكن للطبقات المتوسطة والدنيا.
لقد أدت سياسة مبارك الخاصة بالدعم إلى عدم الارتفاع المضطرد لأسعار النقل والمواصلات وكذلك أسعار السلع الأساسية للأسرة المصرية، وبقي معدل التضخم في آخر عشر سنوات من حكم مبارك يتراوح بين 2.6% و11.2% باستثناء عام 2008 الذي قفز فيه معدل التضخم إلى 18.3% -وفق إحصاءات قاعدة بيانات البنك الدولي-، بسبب أزمتي الوقود والغذاء العالميتين. ومع ازدياد قطاع الاقتصاد غير الرسمي، استطاع المواطن أن يجد لنفسه مساحة للحصول على قوت يومه بشكل ما، وكانت نسبة الفقر لا تتعدى 16.7% حتى عام 2008.
اتسمت حكومات مبارك الأخيرة (حكومات رجال الأعمال بقيادة أحمد نظيف) بمزيد من الأنشطة الريعية والفساد أيضا، ولكن كل المؤشرات الاقتصادية كانت تشير أن هناك تحسنا في الاقتصاد الكلي للدولة، وكذلك في مستوى الاحتياطي النقدي الذي وصل إلى حوالي 36 مليار دولار إبان ثورة 25 يناير 2011.
إذن استطاع مبارك بطريقة ما ألا يفقد السيطرة بالكلية على الاقتصاد بل على العكس، استطاعت سياسات جمال مبارك أن تخرج من السياسات النصف اشتراكية إلى سياسات نيو ليبرالية واضحة، مع عدم التيقن بمستقبلها حول كيفية ضبطها للعلاقة بين رأس المال المتغوِّل وبين نسبة الفقر ونسبة البطالة وزيادة عدد السكان المضطرد، الذي لم تواكبه حركة إنتاج تستطيع أن تتعامل معه.
إرهاصات ثورة 25 يناير
-----
لقد تألمت الطبقة الوسطى أيام مبارك ولكنها لم تندثر، تضاءلت، حاولت الصمود، تنازلت عن رفاهيات تتمتع بها الطبقات الوسطى في المجتمعات الأخرى ولكنها لم تندثر، تشبثت بأفضل تعليم تستطيع أن تحصل عليه لأبنائها، حاولت تنويع مصادر دخلها، استفادت أحيانا من الانفتاح الاقتصادي في بعض فترات مبارك.
وعلى صعيد آخر، فإن فئة العمال مثلا لا نستطيع أن نقول بأنها انتمت للطبقة الوسطى في مصر، ولكنها كانت تفقد بصورة كبيرة قدرتها على الصمود، وبدا أن رأس المال سعى لسحق طبقة العمال في هذه الفترة. التحمت بقايا الطبقة الوسطى المتعلمة الطامحة في مستقبل أفضل بطبقة العمال، وتصدروا ثورة 25 يناير، ولم تكن مطالبهم اقتصادية بالأساس، ولكن خليط واضح لطلبات الطبقة الوسطى وطبقة العمال، عدالة اجتماعية وحرية ووضع اقتصادي أفضل.
ومن هنا لم ينس السيسي ما فعلته الطبقة الوسطى وطبقة العمال أبدا …
أعتقد وبتجرد تام أن سياسيات الإخوان المسلمين وسياسات الرئيس مرسي كانت منحازة بشكل واضح لمتوسطي الدخل، ومحاولة ضم أكثر القطاعات الكادحة لهذه الطبقة الوسطى، عن طريق سياسيات وتشريعات وإجراءات حاول الرئيس وحكومته العمل بها وإقرارها.
وإذا كانت تجربة د. محمد مرسي، كأول رئيس مدني منتخب، قصيرة جدا، حيث حكم عاما واحدا فقط، فيمكن للباحث تناول الإجراءات والتشريعات والسياسات أكثر من تتبع النتائج التي لم يمهلها الانقلاب، حتى يكون هناك تحليل واقعي للنتائج عبر مدى زمني مقبول.
خطة السيسي
----
بعد خمس سنوات من الانقلاب الدامي الذي قاده السيسي مع بعض جنرالاته، وبعض النخب، ومؤيدا من بعض القطاعات الشعبية - بغض النظر عن التقدير العددي والنخبوي لهم-، فإننا يجب أن نقرأ سياساته ونحللها، لمعرفة آثارها السلبية على لحمة النسيج المجتمعي بمصر.
لم يكن السيسي في سعيه الحثيث نحو الطبقة الوسطى للانتقام منها فقط، ولكن لإنهائها بشكل عملي بشتى الطرق، وللأسف فإن عددا من الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية "نجحت" في إنهاء الطبقة الوسطى وتمثل "نماذج" على ذلك. وينطلق السيسي من مبدأ أن الطبقة الوسطى يجب أن تعاني ويجب أن تدفع نتيجة أي تطلع قامت به، وألا يكون هناك دعم من الدولة يمكن أن تستفيد منه.
وأتذكر دائما حوارنا مع صندوق النقد الدولي إبان فترة د محمد مرسي-وقد كنت أحد أعضاء الفريق الذي حاور بعثة الصندوق-، حيث أراد فريق خبراء الصندوق أن يقلل الدعم، حتى تتم السيطرة على العجز المالي، وأراد فريق الصندوق أن يتم رفع الدعم بشكل مباشر، بمعنى أن تقوم الدولة بين ليلة وضحاها برفع الأسعار على الجميع وتخفيض الدعم، وهي طريقة الصندوق المعتمدة في الدول النامية.
لقد كان رد حكومة هشام قنديل على مطالب الصندوق بالتأكيد أن رفع الدعم سيكون غير مفيد، خاصة أن الدعم في مصر يتم سرقته بنسبة لا تقل عن 15 إلى 20?، فاذا تم غلق منافذ السرقة وإيصال الدعم لمستحقيه فعلا وبالكمية المناسبة فقط، فإن هذا كفيل أن يخفض الدعم بنسبة أفضل من النسب التي يطلبها الصندوق، وسيحافظ أيضا على الطبقات الوسطى والأدنى.
وإذا كان هناك من يجب أن يرفع عنه الدعم فلنبدأ بالأغنى، فلا يجب دعم بنزين 95 مثلا بنفس نسبة دعم البنزين الاقتصادي مثل 80 أو 90، وكانت فكرة "كارت الدعم" التي قام الدكتور باسم عودة بالانتهاء منها في وقت قياسي كفيلة بضبط منظومة الدعم ومعرفة أين يذهب حتى آخر مستفيد.
ولست أحاول هنا أن أقول أن هذه كانت السياسة الاقتصادية الأفضل، بل من الممكن أن هناك أفكارا أخرى، لكنها على الأقل كانت سياسة تسعى لأن لا نصل لما وصلنا إليه اليوم.
فالسيسي لا يقوم بالاستسهال حين ألغى فكرة كارت الدعم، بل يدرك تماما أنه اذا أراد أن يؤذي الطبقة الوسطى فإن هذا يمكن أن يتم برفع الدعم مرة واحدة، وبهذا فإن الطبقة الوسطى التي طمحت يوما أن يكون لدى أسرتها سيارة ستدفع الثمن لهذا الطموح، واذا أرادت أن تشتري سلعة معمرة لتحسين مستوى معيشتها، ستدفع الثمن أكثر من أربعة أضعاف ما كانت تدفعه، وإذا أرادت أن تتشبث بتعليم معقول مثل المدارس التجريبية، سيتم إلغاؤها حتى لا يكون في مصر إلا مستوين فقط، طبقة أغنياء لن يغضبها السيسي، وعليها أن تصمت اذا رأت غيرها يموت جوعا وإلا طالتها عصى السيسي، وطبقة أخرى تعاني الفقر المدقع، لا تجد من يهتم بها، مسموح لها فقط أن تفقد قيمها وأن تجد قوت يومها بأي طريقة من بعضها بعضا، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الاقتصاد الأسود بمصر، في حين يرى السيسي أنه يمشي في الطريق الصحيح.
ختاما:
---
إن المجتمعات تقوم إذا كان لديها طبقة وسطة قوية، بما لديها من قيم وبنية اقتصادية واجتماعية، فالطبقة الوسطى هي رأس المال الاجتماعي الحقيقي لأي مجتمع، والسيسي يدرك أنه بسيطرته على القادة الحركيين ربما يأمن من قيام ثورة أخرى. كما يدرك كذلك أن تحقيق هدفه بوجود مجتمع منهار، يتوجب عليه استهداف مستودع قيم المجتمع، استهداف الطبقة الوسطى.
فغياب الطبقة الوسطى، لن يدفع الناس إلى ثورة بل سيدفعها لمزيد من الانحلال الخلقي، وأن تفقد البلد بوصلتها الاجتماعية. سيظل السيسي يخرج بمزيد من الوعود التي لا تتحقق، وفي نفس الوقت سيبقى يسعى لتحطم ما تبقى من مصر، وفي القلب من خطته الصهيونية ألا يكون في مصر طبقة وسطى ولا حال وسط، وأن يبقى في مصر فقط فقر مدقع بلا أخلاق أو قيم، وطبقة أرستقراطية بلا إنسانية إلا فيما ندر.
ستنتصر مصر حينما تبقى تولي الطبقة الوسطى جل اهتمامها، وتنهض بالعامل والموظف، وتوفر وظائف في وسط منظومة منتجة لا مستهلكة فقط، ولا تعادي رجال المال. هذه المعادلة نجحت في تجارب أخرى، وأؤمن أنها ستنجح في مصر قريبا فور تحررها.
أضف تعليقك