بقلم..آيات عرابي
عدد من الطلقات انطلقت من بنادقهم وفوق كل رصاصة اسم ضحية ستصيبها. بعض الرصاصات سيضيع في الهواء والبعض الآخر سيصنع أحداثا تصبح عناوين الصحف والأخبار في اليوم التالي. بعضهم صار يضرب أعمدة الإنارة لتنبيه الباقين.
ربما لم تكن هناك حاجة لتنبيههم فصوت الرصاص بدا أشبه بصرخات نجحت في وقف المظاهرة الحاشدة وقد تحولت الطمأنينة إلى حالة من التوجس، وصار التوتر سيد الموقف.
صرخات مختلطة وأصوات لم يعد أحد قادرا على تمييزها، تعالت من كل ناحية، وهناك من يركض، وهناك من يستطلع الأمر. من بين تلك الأصوات المختلطة كان من الممكن أن تميز من حين لآخر صوت أحدهم يهتف (حسبنا الله ونعم الوكيل).
كاميرا هاتف نقال يحملها أحدهم، تقوم بحركات سريعة هنا وهناك، لتنقل مشاهد مرتبكة مشوشة مصبوغة بإضاءة ساعات الليل المبكرة. هذه أجواء توتر لم يعتدها الناس. لقد أنهوا صلاة التراويح وخرجوا في مسيرة رافضة للانقلاب العسكري، ولم يدر بخلد أحدهم أنهم سيُعاملون بهذه الوحشية.
صار عليهم أن يتظاهروا من أجل أبسط حقوقهم. منذ أقل من شهر وبضغطة زر، اختفى رئيسهم المنتخب وجلسوا في ذهول أمام شاشات التليفزيون ليشاهدوا وزير الدفاع وهو يعلن بيان الانقلاب.
هذا كابوس لم يختره أي أحد منهم، هذا تغيير كامل لقواعد اللعبة التي اتفق عليها الجميع. اتفق الجميع على اختيار الرئيس بالانتخابات، فما الذي غير الأمر، ولماذا صارت مظاهرات مفتعلة لا يمكن الحكم على عدد المشاركين فيها معيارا للاختيار من عدمه؟
هناك من عبث بقواعد اللعبة. هناك من يغش لتحقيق هدف ما.
لعبة ما يلعبها طرفان. فجأة يقوم أحدهما في منتصف اللعب ليعلن أنه فاز، ويحيط به بعض المحتفلين الذين يظهرون من لا مكان، يمسك كل منهم ببوق يضخم صوته ليشوشوا على صوت اللاعب الآخر الذي لم يخسر.
إعلان فوز في لعبة قرر أحد طرفيها أن يغير قواعدها فجأة. قرر أن يعلن فوزا لم يحرزه وأن يكتم صوت اللاعب الآخر. من اللحظة سيُمنع اللاعب الآخر من إعلان ما حدث. بل إن من غير قواعد اللعبة سيتمادى وسيمنع اللاعب الذي لم يخسر من رفع صوته.
سيطلب عسكري الانقلاب من الناس أن ينزلوا لـ(تفويضه) بمواجهة ما أسماه بالإرهاب المحتمل، لتبدأ مرحلة دموية من تصفية مناهضي الانقلاب العسكري ولتعمل ماكينة الإعلام العسكري على طبخ رواية مغلوطة مكذوبة يقدمونها للناس في أعقاب كل مذبحة، وقد ضمنوا صمت كل الأصوات التي قد تنقل الحقيقة، بعدما أغلقوا كل القنوات الإسلامية مع أول لحظات الانقلاب العسكري.
كانت مصر تدخل منطقة مظلمة يصبغ لون الدم فيها كل شيء. مذابح صغيرة هنا وهناك، وعنف غير مسبوق ضد المرأة.
في تلك الليلة منذ خمس سنوات في أحد شوارع المنصورة، اخترقت الرصاصات أجساد أربع نساء. كانت هالة أبو شعيشع إحداهن. كانت هذه المجازر الصغيرة ومستوى العنف غير المسبوق فيها مؤشرا على مجزرة أكبر تلوح في الأفق. كانت كل الطرق تؤدي إلى رابعة ببطء يكتسي بلون أسود بدأ يزحف على المشهد.
شهدت الشهور من تموز/ يوليو إلى تشرين الأول/ أكتوبر منذ خمس سنوات، عددا من المجازر الوحشية التي توجتها مجزرتي رابعة والنهضة.
كنت أستمع إلى شهادة صديقة هالة أبو شعيشع عما جرى في المظاهرة، وكيف اختبأوا في أحد مداخل البنايات بينما يلاحقهم البلطجية، وكنت أتساءل أي فزع ذلك الذي تعرضت له شابة صغيرة السن كهالة وأخواتها في تلك اللحظات؟
أضف تعليقك