• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

تأتي الأيام العشر الأول من ذي الحجة والأمة الإسلامية في أشد الكرب من أعدائها وأعظم بلاء من حكامها، وذروة الابتلاء هي في غزة وبيت المقدس وأكنافه، من الشام ومصر، ثم بلدان الربيع العربي في ليبيا واليمن، ولم ينج بلد من عالمنا الإسلامي من ابتلاء بالخوف والجوع، حتى انشغل كل شعب بمصيبته إلا ما رحم ربك من العرب وغير العرب.

ثم تجلت رحمة ربنا في طلائع ذلك الجيل الذي يقود مسيرة العودة الكبرى في فلسطين ومن لحق بهم في مصر وبلدان الربيع العربي.. هذا الجيل الذي استقر في أعماقهم أن إنقاذ الأقصى وتحرير القدس هو مطلب وطني كما هو واجب عربي وفريضة إسلامية؛ فهم لا يعطون الدنية في دينهم أو وطنهم أو شرعيتهم ولا ينزلون على رأي الفسدة ولا ينزلقون للعنف ولا ييأسون من أمتهم أبدا.

في هذه الأيام العشر تحل الذكرى الخامسة لمذبحة رابعة وتتضاعف أعداد المصابين والشهداء في مسيرة العودة الكبرى في فلسطين، وتصدر أحكام الإعدام على المتظاهرين السلميين في رابعة، ويتصاعد العدوان الصهيوني على غزة وعلى مسيرات العودة بمباركة أمريكية وصمت عالمي، وكل ذلك لا يزيد طلائع جيل العودة إلا إصرارا على رد الصفعة والعدوان وتعطيل صفقة الخذلان وتحقيق الوحدة الوطنية وإحياء الأمة الإسلامية.

والخير باق في هذه الأمة ما استمسكت بأسباب الخير التي أمرها الله بها (يا أيها الذين ٱمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل).

فيا أمة الإسلام.. إن الله تعالى جعل لنا في أقوال وأعمال وأحوال أبينا إبراهيم وابنه إسماعيل وأمنا هاجر، عليهم السلام، شعائر ومناسك لدينه العظيم، وأشير هنا إلى اثنين منهما، الأمة في أشد الحاجة للاستمساك بهما، هما: عدواة الشيطان، واليقين الراسخ مع حسن التوكل.

 فأما عداوة الشيطان وإعلان الحرب عليه فجزء أساسي من العقيدة، وملمح بارز من ملامح الصراع بين الحق والباطل.. ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (فاطر: 6).

وهكذا كان آل إبراهيم الذين ندعو الله تعالى في كل تشهد أن يصلي على نبينا وآله كما صلى وبارك عليهم، لقد اتخذوا الشيطان عدوا، وحاربوه بلا هوادة، وانتصروا عليه انتصارا مبينا، خلده تعالى في شعيرة رمي الجمرات؛ حيث يقوم الحجاج برميها في العقبة، في المواضع الثلاثة التي تعرض فيها الشيطان لإبراهيم وإسماعيل وهاجر، عليهم السلام، وحاول ثنيهم عن تنفيذ أمر الله تعالى لإبراهيم بذبح ولده إسماعيل، ففشل تدبيره، وخاب سعيه، وانتصر إبراهيم عليه السلام على الشيطان وغريزة الأبوة معا، وانتصر إسماعيل عليه السلام على الشيطان وغريزة حب الحياة في آن واحد، وانتصرت هاجر عليها السلام على الشيطان وغريزة الأمومة في ذات الوقت، وهكذا يجب أن تكون الأمة الإسلامية في إعلانها عن عداوته قولاً وعملاً وحالاً.. ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 268).

وأما اليقين الراسخ فلا يغني عن الأخذ بالأسباب واستفراغ الوسع فيها، وأنهما كجناحي الطائر لا يطير إلا بهما معا، وهذا ما عبرت عنه هاجر عليها السلام قولاً وعملاً وحالاً؛ فقالت قولتها التي صارت قانونا لليقين عبر الزمن، قالت لإبراهيم عليه السلام عندما همّ بمغادرة المكان، وتركها مع رضيعها في الصحراء المقفرة المجدبة: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لن يضيعنا.

نعم.. هذا هو اليقين الراسخ، أن أمر الله لا يفضي إلى الضياع أبدا، واختيار الله لا يؤدي إلى التهلكة أبدا، وبدأت بهذا اليقين المستقر في قلبها رحلة البحث عن الماء في هذه الصحراء القاحلة حتى أنبعه الله تعالى لها بعد سبعة أشواط من البحث الدءوب المستمر بين الصفا والمروة، وظل ماء زمزم منذ ذلك التاريخ وإلى نهاية الزمان شاهدا على اقتران اليقين بالأخذ بالأسباب.

وقد خلدهما الله تعالى بهذا الأثر الخالد، ماء زمزم، وخلدهم كذلك بالسعي بين الصفا والمروة، اقتداء بهاجر عليها السلام، والأمة اليوم في حاجة إلى يقين راسخ دافع للعمل، يقين فيما عند الله، ويقين أن العاقبة للمتقين، ويقين أن الهلاك والبوار والدائرة على المعتدين الظالمين، فتعمل الأمة بكل وسعها لنيل حريتها واسترداد كرامتها، وتقف بكل ما أوتيت من قوة في وجه الظلم، مستيقنة أن الله لا يرضى بالظلم، وأنه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وأنها إذا لم تقل للظالم يا ظالم فقد تودع منها، وأن حاضرها ومستقبلها رهن بما تبذله في مقاومة الظلم واقتلاع جذوره، والتخلص من آثامه وشروره.

ويا أمة الإسلام..

 ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام العشر (يعني العشر الأول من ذي الحجة)، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع بشيء.

فإلى ذكر الله، فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم، وتفكروا في خلق السموات والأرض، وأكثروا من النوافل والصدقة، وصلوا أرحامكم وأحسنوا لجيرانكم واحرصوا على إدخال السرور على قلوب أسركم وأسر الشهداء والمصابين والأرامل واليتامى، واسعوا في حاجاتهم، وعليكم بالصيام إن استطعتم في هذه الأيام التي يشتد فيها الحر، ولا يفوتنكم خير يوم طلعت فيه الشمس؛ ذلك يوم عرفة، فهو يكفر السنه الماضية والباقية، وبلغوا دعوة الله ولا تخشوا في الله لومة لائم، وأكثروا من تلاوة القران، واعمروا المساجد، وأظهروا شعائر الإسلام فرادى وجماعات، وأكثروا من التكبير والتحميد وتضرعوا إلى الله بدعاء أبويكم إبراهيم وإسماعيل (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) ( ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).

فالله أكبر، الله أكبر.. لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

القائم بأعمال فضيلة المرشد العام

د. محمود عزت

الأحد غرة ذي الحجة 1439 ه الموافق 12 أغسطس 2018م

أضف تعليقك