• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عامر شماخ

ما إن خلدت إلى النوم بعد صلاة فجر یوم 2013/8/14 حتى رن ھاتفي لیخبرني المتحدث بقیام المجرمین باقتحام رابعة والنھضة. قلت لھ: لعلھا المحاولات التي كانوا یقومون بھا لفض الاعتصامین؟ قال لا، إنھ القتل من دون تمییز. فتحت التلفزیون وتأكدت أنھا الحرب؛ الدخان الأسود یغطي المكانین، والحرائق مشتعلة على جوانبھما، والاستغاثات لا تنقطع…

نزلت على الفور، لكنني شعرت بدوار رھیب، وصرت أتعثر في سیري، وقد اختفت زرقة السماء من أمام ناظرى فلا أرى فى الأفق إلا غمامة سوداء، ولا أدري إن كانت تلك حقیقة أم أنھا المصیبة التي عظمت في صدري فعطلت حواسي عن العمل.

أخیرًا اھتدیت إلى السیارة، قدتھا مضطربًا حائرًا ووجھتي أي الاعتصامین.. لكنني وجدت جمیع الطرق متوقفة، تحایلت للوصول من طرق جانبیة ففوجئت بانسدادھا جمیعًا، وبعد انتظار أربع ساعات فى منطقة الھرم تحركت صوب منطقة وسط البلد ظانًا أنھا بعیدة عن الأحداث وربما كانت منفذًا سھلاً إلى رابعة، فوجدتھا أشد زحامًا، فوقع علىَّ الحصار فلم أستطع الوصول إلى أى المكانین..

ظللت متابعًا لما یجرى طوال النھار حتى لم یعد في قوس الصبر منزع، وقد ركبني غم الأولین والآخرین..

عدت مرغمًا إلى بیتي بأوجاعي وآلامي المبرحة؛ فكلما خلدت إلى النوم فزعت وقد ملأت المرارة حلقى، وتركت آثارھا على بصرى وسمعى، وقد خارت قواى جمیعًا… وھل ھناك مصیبة أعظم من تلك المصیبة؟ إن أخًا واحدًا تفقده یحزنك موتھ ویكربك فقده وقد مات على فراشھ وأنذر المرض بموتھ؛ فما بالك بمئات من ھؤلاء الأطھار وقد غُدروا فى ساعة واحدة تحت مجنزرات جیش بلدھم، فى مشاھد لم یفعلھا النازى مع خصمھ؛ من التصفیة العلنیة، والحرق، والدھس والتمثیل بالموتى. وما بالك إذا كان من بین المغدور بھم من ھو أخوك فى الله، صدیق عمرك وحبیبك وقد رأیت مخھ خارجًا من رأسھ، أو رأیت ساقھ شبھ منفصلة عنھ وھو غارق فى دمائھ بین الحیاة والموت..

عدت إلى بیتى وقد صرت شخصًا آخر غیر شخص الأمس. إنھا بضع ساعات، لكنھا تساوى
سنواتى الماضیة.

تذكرت جدالي وشغبي مع أساتذة وشیوخ لي حول المؤامرات على الإسلام
والمسلمین، وكثیرًا ما قلت لھم إنھ (التفسیر التآمري). الیوم تأكدت أنھا الغارة التي لا تنقطع،
ونار الحرب التي لا تنطفئ وقد شارك فیھا القریب والبعید، والكافر والمنافق. الیوم علمت أن
الطریق طویل وشائك ومتشعب، یلزمھ الصبر والصدق، ویلزمھ الفھم والتضحیة، ویلزمھ
التجرد والثبات، وما خلا ذلك فلا رجاء فى عمل یرفع واقعنا الخسیس ویعلى شأن الدین
الحنیف.

عدت إلى بیتي وقد علمت من أسماء الشھداء والمصابین أن تلك الكشوف قد أعدت سلفًا، وأنھا اختیار واصطفاء؛ لأنھ ما ذكر واحد ممن أعرفھم من ھؤلاء الأفاضل إلا وجدت صحیفتھ ناصعة، وماضیھ مشرِّف وأخلاقھ لاشیة فیھا.. فأدركت أن الصدق سبق، وربح لصاحبھ، وأن أصحاب ھذه الدماء ھم شرف الأمة وعزھا، وذخیرتھا ومجدھا، ولا حراك لھا إلا بھم، ولا مغنم لھا إلا من طریقھم، فلا خوف علیھم ولا ھم یحزنون.

ومما تعلمتھ فى ھذا الیوم أنھ لا تزال فى ھذه الأمة عوامل السلامة والسیادة والرفعة مھما حاولوا إجھاضھا، وأن الخیر قرینھا والمروءة لُـحمتھا مھما كثر المنافقون والخونة والذین فى قلوبھم مرض، وأن ساحة الأخوة الصادقة ممتدة واسعة لا تضیق إلا بضیق عقول وصدور أصحابھا، أما الدین والجھاد من أجلھ والعمل لھ فھو مفتاح تلك الرابطة الإنسانیة الراقیة والدخول إلیھا..

ومما تعلمتھ فى ھذا الیوم: ألا أتنازل عن حق مھما فُعل بى طالما رأیتھ حقًا وقستھ بالمقاییس الشرعیة، وأن أكون على یقین بأن الله حق عدل، فلا مجال من ثم لجزع أو ھلع أو خوف أو فزع..

وقد رأیت فى المنافقین فى ھذا الیوم بشاعة الكافرین، بل أشد لقد قرأنا وسمعنا عنھم لكننا لم نكن نتصور أنھم على ھذا الدرك من الفُجر والخصومة، فلیس بعد ما جرى حدیث عن حوار أو تعاون مع ھؤلاء النتنى، بل الكیس من یأمن خداعھم، إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا ثم
اھتدى.

أضف تعليقك