أثارت زيارة بابا الأقباط الحالية لأمريكا جدلاً كبيرًا، بعد تصريحاته بدعم النظام المصرى، وادعاء أمور على غير الحقيقة؛ ما يطرح قضية: مكاسب وخسائر الكنيسة بعد مشاركتها فى الانقلاب على أول رئيس مدنى منتخب، وقد كان إعلان هذا الانقلاب بحضور (البابا) ومباركته، وسبق ذلك تحركات كنسية وصلت إلى حد العنف للتخلص من حكم الإسلاميين.
فلا زال الناس يذكرون الاستنفار الكنسى، أفرادًا وجماعات، رموزًا وعوام لإفشال الرئيس مرسى وتشويه صورته، على المستويات كافة بدءًا بالإعلام وانتهاء بطواف قيادات قبطية بارزة على سفارات ومقار حكومات الدول الغربية لأخذ الضوء الأخضر للانقلاب على حكم الإخوان؛ حيث أكد البعض أن الكنيسة قامت بجهود جبارة فى هذه الناحية لم تستطعها وزارة الخارجية التى والت وقتها العسكر وخانت رئيسها الشرعى..
وإن نسى الناس فلن ينسوا كتائب (البلاك بلوك) التى أثارت الرعب فى الشوارع، وقتلت المصريين، وأشعلت النيران فى السيارات والممتلكات، وقد تواطأت السلطات معها لتنفيذ مخططها بإثارة الفوضى، وتأليب الشعب على حاكمه؛ فكان المواطنون يقبضون على مجموعة من هذه المجموعات المتطرفة وهم متلبسون بجرائمهم؛ فإن هى إلا ساعات حتى يتم إخلاء سبيلهم من دون أى ضمانات. كما لن ينسى الناس دور هذه المجموعات يوم الاتحادية وقد قتلوا عشرة من شباب الإخوان وأصابوا المئات؛ ومحاولاتهم المستميتة لاحتلال القصر الجمهورى وقتل من فيه، مدعومين أيضًا بعصابات رسمية فى زيها المدني.
وقد وقع الانقلاب، وانتصرت الكنيسة، واستراحت من الإخوان، وانتظرت رد الجميل من العسكر الذين لم يقصروا، بل بادروا بتلبية غالبية مطالبهم، فأطلقوا يدها فى بناء الكنائس من دون رقيب حتى علت القباب والصلبان أشهر الأماكن فى المدن المصرية، وأطلقوا يدها فى التوسع فى مساحات الأديرة، وتم الترخيص للمتعطل منها ومن الكنائس لأسباب طائفية حتى تم الموافقة مؤخرًا -فى دفعة واحدة- على أكثر من 2000 كنيسة ودير، وقد ذللت لذلك جميع المعوقات بما فيها حقوق المسلمين. وكما أطلقت أيديهم فى البناء والتشييد أطلقت أيديهم كذلك فى التنصير بين المسلمين -وهذا يحدث لأول مرة -حتى صاروا يهنئون المسلمين برمضان مثلاً ويقدمون لهم أثناء الإفطار تمرًا وعصائر (ومعهما صورة يسوع)، والأمر نفسه تكرر فى عيد الأضحى: العيدية لأطفال المسلمين ومعها صورة المسيح..
هذا بعض ما كسبته الكنيسة بعد مشاركتها فى الانقلاب واستحلالها لدماء المسلمين. فهل خسرت الكنيسة شيئًا؟ نعم خسرت الكثير، وما نسمعه عن تصفيات جسدية لرهبان داخل الأديرة، وعن استقلال بعض الكهنة بأديرة، وعن الطعن الصريح فى ذمم وأخلاق كثير من الكهنة -إن هى إلا خسائر تهدد استقرار الكنيسة وتماسكها وتناغم قيادتها مع (شعبها)؛ بل هو -فى اعتقادى- إرهاص لانقسامات كبيرة سوف تحل بالكنيسة قريبًا، ذلك أنه لا يصح إلا الصحيح، ومهما قيل فى السلوك السياسى لـ«الشعب القبطى» فإنهم يبقون -باستثناء القيادة التى تستغلهم سياسيًا -أقرب الناس مودة للمسلمين، فإن كثيرين منهم لا يرضون بإراقة الدم أو هتك العرض أو مصادرة المال، وهذا مع الوقت سيفجر أزمة بين الأقباط وقيادتهم، أزمة حول الأخلاق؛ إذ ليس هناك دين سماوى يقبل بما قبلت به تلك القيادة، خصوصًا أن العسكر استخدموهم كما استخدموا (النشطا) لتنفيذ مخططهم الذى نشاهد آثاره الكارثية الآن. وقد فطن الكثير من الأقباط إلى هذا المخطط الذى ينفذ (سيناريو) ناصر الهالك؛ فلن يسمح العسكر باستقواء الأقباط كما ظنت قياداتهم، والدليل: تحويل الكنائس كلها إلى ثكنات عسكرية، وتلك فزاعة معروفة لربطهم بالنظام لحمايتهم من عدو افتراضى؛ لأجل هذا فجر (البطرسية) واختلق واقعة إطلاق النار فى حلوان وغيرهما، وهذه التضحيات لا تليق فى الحقيقة ببيت للعبادة؛ ما يجعل كثيرًا من الأقباط معارضين لتلك الإجراءات، غير مقتنعين بـ«ضرورتها»؛ إذ بقيت الكنائس خلال أيام الثورة من دون حراسة، يحرسها المسلمون كما يحرسون بيوتهم وأحياءهم.
أما أكبر الخسائر فهو الشرخ الكبير الذى سببته الكنيسة فى العلاقة بين المسلمين والأقباط، وحالة التوتر المكبوتة والتى لن تنتهى حتى تستقيم الأمور، وحتى تأتى قيادة قبطية أخرى تعترف بخطئها التاريخى وتعتذر للمسلمين عن استحلالها لدمائهم وتواطئها على أبنائهم ووطنهم. وهذا الكلام ليست فيه مبالغة، وأدعوكم إلى قراءة تعليقات الفريقين فى المواقع الإلكترونية؛ لتدركوا حجم المأساة التى أوقعنا فيها هؤلاء الكهنة. أما الضريبة الكبيرة التى سيدفعها الأقباط فهى حالة العزلة التى فرضتها عليهم الكنيسة.. وهم صامتون لا يعترضون على ما فعلت بهم.
أضف تعليقك