• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم..عبدالرحمن يوسف

مر الوقت، واعترف حكام المملكة السعودية بمقتل الشهيد جمال خاشقجي داخل وكرهم (قنصليتهم) في إسطنبول؛ بعد أيام وأيام من الإنكار التام، وبعد أن اتهموا العالم كله بالضلوع في مؤامرة تركية قطرية ضد السعودية!

اعترف آل سعود بالجريمة، ولفقوا قصة لا يصدقها إنسان، والعالم ما زال يطالب بكشف الحقيقة.

يحاول القاتل تبرئة نفسه بتقديم صبيانه للعدالة، وهم مجرمون صغار، لا يقبل ضمير أي إنسان بعقاب هؤلاء فقط، فهم لم يرتكبوا تلك الجريمة إلا تنفيذا لأوامر المجرم الكبير، وإرضاء لرغباته السادية.

* * *

إن غالبية الأنظمة العربية تقوم على القتل والإرهاب لمواطنيها (في الداخل)، وعلى الخضوع التام للقوى العظمى على حساب المصالح الوطنية (في الخارج).

وهذه الأنظمة الإرهابية لا تعرف معنى استقلال القرار الوطني إلا في حالة واحدة، وهي حالة تدخل أي قوى خارجية في شأن حقوق الإنسان والحريات!

حينها... وحينها فقط تظهر الحكومات العربية كل ما لديها من إباء وشمم، ومن شيفونية قومية، ومن قصائد عصماء في استقلال القرار الوطني... إنهم حكام لا يقبلون إلا أن يقتلوا شعوبهم باستقلال تام، ولا يقبلون في ذلك شفاعة.

وأساليب الأنظمة دائما تقوم على الإنكار التام لأي جريمة، فهم قتلة محترفون، ينتهكون حقوق الناس ليل نهار، ورغم ذلك يصرون على أنهم أطهر خلق الله، والعالم كله يعرف جرائمهم.

* * *

في خضم ذلك، والعالم ما زال يتابع مأساة الشهيد جمال خاشقجي، وقبل أن تنتهي هذه المأسا،ة تبدأ مأساة جديدة هي مأساة النائب البرلماني المصري السابق الدكتور مصطفى النجار!

خلاصة القصة أن أسرته تلقت اتصالا من مجهول يخطرهم بأن قوات الأمن قد قبضت عليه في أسوان، حيث كان يستجم قبل أن يحضر جلسة محكمة النقض في قضية إهانة القضاء في الخامس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

اختفاء الدكتور مصطفى النجار قوبل بتجاهل من الدولة لعدة أيام، ثم بإصدار بيان رسمي من الهيئة العامة للاستعلامات؛ ورد فيه أن "الجهات المختصة في مصر تنفي نفياً قاطعاً أن يكون الدكتور مصطفى أحمد محمد النجار قد ألقي القبض عليه من الأجهزة الأمنية أو أنه قد سلم نفسه إليها، وأنه لا صحة مطلقاً لأي شائعات حول ما يسمى باختفائه قسرياً، وأنه لا يزال هارباً بكامل إرادته من تنفيذ الحكم القضائي الصادر عليه، وأن كل ما هو خلاف هذا ليس سوى ادعاءات لا أساس لها من الصحة وتأتي في سياق محاولته التهرب من تنفيذ الحكم الصادر عليه".

بيان هيئة الاستعلامات يعفي الدولة من مسؤوليتها كدولة، فالسيد مصطفى النجار مواطن مصري، تقدمت زوجته باستغاثة للنائب العام مفادها أنه مفقود، وإذا افترضنا أنه هارب من حكم قضائي نافذ، فذلك لا يعفي الدولة من واجبها في العثور عليه، بل يجعل واجب العثور عليه لتنفيذ الحكم أكبر.

مسألة هربه ليست مقنعة أيضا، فإذا كان هاربا... لماذا تتقدم أسرته ببلاغ يحرك أجهزة الأمن للبحث عنه؟

إنه تحرُكٌ ضد مصلحته (إذا كان هاربا)، ومن تقدم ببلاغ لا بد أنه قلق عليه بسبب ظروف الاحتجاز في السجون المصرية التي لا تخفى على أحد!

وبمناسبة ظروف الاحتجاز، لا بد من التنبيه على أن الدكتور مصطفى النجار يعاني من بعض الأمراض المزمنة، ويحتاج إلى أدوية ثابتة بشكل مستمر، وأي تهاون في هذه الأمور قد تكون له عواقب وخيمة.

إن الهيئة العامة للاستعلامات وسائر ألسنة الدولة المصرية أصدرت مرات ومراتبيانات تتعلق بمفقودين (تماما مثل الحالة التي أمامنا)، فهي تنكر معرفتها أو علاقتها باختفاء شخص ما، ثم يظهر الشخص نفسه بعدها بأيام أو أسابيع متهما في قضية ما.

إن دولنا العربية محكومة بالعقلية ذاتها، فكما أنكرت السلطات السعودية علاقتها باختفاء السيد خاشقجي، تنكر السلطات المصرية معرفتها بمكان السيد مصطفى النجار.

الدولة المصرية أنكرت أيضا أي علاقة لها بالسيد جوليو ريجيني، ثم تراجعت وحظيت بفضيحة عالمية، كما أنكرت علاقتها بعشرات الحالات من المختفين ثم ظهروا في المحاكم متهمين بقضايا عجيبة بعد شهور من الاختفاء القسري كما ذكرنا.

الجميع يتساءل اليوم في مصر: هل نحن أمام خاشقجي جديد؟

أعتقد أن التصرف السليم هو أن تصرح السلطات المصرية بمكان الدكتور مصطفى النجار، أو أن تتحرك الدولة لتعثر عليه (إذا افترضنا أنها لم تعتقله بالفعل)، خصوصا أن من حقه أن يتقدم بمعارضة ضد حكم إهانة القضاء الذي يزعمون هروبه بسببه، وذلك بعد أن حكمت محكمة النقض بحق بعض المتهمين في ذلك.

* * *

أتمنى من عقلاء النظام - إذا كان فيه عقلاء - أن لا نرى الدكتور مصطفى النجار بعد فترة وهو يعرض على محكمة مفاجئة بعد تلفيق قضايا جديدة له (بعد أن أصبح موقفه في قضية إهانة القضاء جيدا).

وكلي ثقة أيضا في أن جميع أصدقاء وزملاء الدكتور مصطفى النجار لن يخفضوا أصواتهم أبدا في المطالبة بإجلاء مصيره.

وأطالب جميع الجمعيات الحقوقية المصرية والدولية بمطالبة الحكومة المصرية بالإفصاح عن مكان مصطفى النجار.

العناد في مثل هذه الحالة لن يفيد أحدا، ولا معنى له!

كل التمنيات الطيبة للنائب البرلماني الدكتور مصطفى النجار.

 

أضف تعليقك