بقلم عامر شماخ
من الواضح أن «ترامب» مصرٌ على تنفيذ وعوده للصهاينة كاملة قبل رحيله المؤكد؛ فهو من نجح فى نقل سفارتهم إلى القدس؛ وكان حلمًا لمسئولى الكيان الغاصب لم يستطيعوا تحقيقه على مدى عقود، وهو من جمع نحو خمسين حاكمًا ومسئولاً عربيًا فى قمة الرياض (مايو 2017) للتباحث فيما يخص التسريع بعملية التطبيع مع (إسرائيل)، وهو من شرع فى تنفيذ (صفقة القرن)، ثم يجاهد هذه الأيام ضاغطًا على حكامنا الأشاوش بشتى الطرق للاعتراف الكامل بالكيان الغاصب كواحدة من دول «الشرق الأوسط»..
ولا تخطئ العين آثار هذه الضغوط على الساحة العربية؛ فهناك سباق محموم لإرضاء الإدارة الأمريكية، والهرولة فى طريق التطبيع؛ وما كان مخفيًا صار علنيًا، واجتماعات السر حلت مكانها المؤتمرات الرسمية، وما كان محرمًا على قادة الصهاينة صار حلالا بلالا لهم، فصرنا نراهم يتجولون فى قصور الملوك والرؤساء والسلاطين، الذين يحسنون استقبالهم، ويكرمون وفادتهم، ولا عزاء للشعوب المقهورة التى ترى ذلك استسلامًا يسبقه تنازلات عقدية وإلغاء أحكام شرعية من جانب المنافقين.
لن نتطرق إلى حرمة ما يسمى: «تطبيع»؛ إذ هذا معلوم لدى العامة، أكدته فتاوى رسمية أكثر من أن تعد، وملخصها: «التطبيع مع اليهود محرم شرعًا، ولا يجوز لأحد كائنًا من كان أن يعقده، وإذا وقع فإنه يكون باطلا» -لكننا نفكر حسب الواقع ومعطياته، وحسب السياسة والتاريخ والجغرافيا؛ لنؤكد أن «صهاينة العرب» ومن يلفون لفهم يمكِّنون الآن إخوانهم اليهود من رقاب المسلمين، فى فلسطين أولاً ثم ما يليها من بلاد العرب والمسلمين. ولفظ «صهاينة العرب» مقصود به أولئك المسئولون الذين تمت صناعتهم لتهيئة شعوبنا للقبول بهذه الدولة اللقيطة، بكل ما أوتوا؛ أو ممن لهم مصالح لدى الأمريكان ومن بينها الحفاظ على عروشهم رغم استبدادهم وظلمهم، وهو ما نراه ظاهرًا للعيان الآن فى منطقة الخليج، رغم أنها ليست من دول الطوق، أى ليست من الدول المجاورة والمواجهة للكيان.
لقد تم رصد عشرات اللقاءات السرية بين مسئولين صهاينة ومسئولين خليجيين كبار، عقدت فى تل أبيب، زادت وتيرتها بعد تولى الملك سلمان الحكم واختيار ابنه وليًا للعهد؛ حيث حدث تقارب كبير بين البلدين، شجع باقى دول الخليج على السير خلف المملكة السعودية، ثم خرجت تلك اللقاءات إلى العلنية -من دون استحياء -فشاهدنا استقبال سلطان عُمان لأكبر مسؤول صهيونى، وما جرى فى اللقاء من حميمية كان مستهدفًا إظهارها من جانب الطرفين، وقد قيل إن طائرة (نتنياهو) عبرت الأجواء السعودية -لأول مرة- وسط احتفاء سلاح الجو الملكى حيث رافقتها أربع طائرات حربية حتى حطت فى مطار مسقط.
وهذا التقارب العلنى لم يقتصر على تلك اللقاءات الرئاسية، والمسابقات الرياضية، والمؤتمرات الإعلامية- إنما دخل التطبيع الرسمى حيز التنفيذ باعتبار (إسرائيل) واحدة من دول الشرق الأوسط أو الخليج العربى -على أقل تقدير- فالإعلام الصهيونى لا زال يتحدث عن (تعاون) على كل الأصعدة، و(شراكة) فى العديد من المجالات: الاقتصادية، والسياسية، والثقافية وهو ما يستهدفه اليهود الذين شابوا حتى وصلوا إلى تلك اللحظة التاريخية التى قبل فيها العرب -بل يهرولون- بالاعتراف بكيانهم، ودعم سبل التطبيع معه. فهم على المستوى الثقافى يهدفون إلى تغيير الصورة الذهنية النمطية عنهم فى العقل الجمعى العربى، مستخدمين فى ذلك قنوات الإعلام العربية الرسمية التى تحاول الآن محو المعتقد العربى إزاء اليهود، وتقديمهم فى صورة جديدة؛ كبديل لا بد من القبول به والتعاون معه. وفى المجال الاقتصادى يسعون -أى اليهود- للخروج من الشرنقة المحبوسين فيها إلى حيث السعة والغنى العربى على المستويات كافة، حتى صرح وزير دفاع الكيان (يونيو 2017) بأن دولته تنتظر 45 مليار دولار ثمار تطبيع دول الخليج معهم.
أما فى الجانب السياسى فحدث ولا حرج؛ فما يجرى منذ تولى الإخوان الحكم فى مصر عام 2012 وحتى الساعة هو من ترتيب اليهود وتنفيذ وكلائهم العرب، وما جرى ويجرى من تعمد إحداث الفوضى فى كثير من الدول إنما لأجل الإعداد للشراكة مع الكيان، والحرب القائمة على الجماعات الإسلامية والحراك الشعبى جزء من هذا المخطط، وحصار غزة وإرهاب شعبها يصب كذلك ضمن عملية الضغط العربى- الصهيونى المشترك لإعادة تشكيل جغرافية وسياسة المنطقة.
وإذا كانت تلك مخططات رسمية وقد جرى تنفيذها على المستوىات الحاكمة ومست مناطق من الرأى العام، فلا زال لشعوبنا الرأى الحاسم والأخير. وفى اعتقادى أن تلك بداية المعركة الحقيقية، أؤكد: ما زالت شعوبنا المسلمة محتفظة بعقيدتها، وفيها (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ..) [المائدة: 82]، ولا زالت محبطة بسبب حكامها؛ فإنها لذلك -وإن كثرت عليها الضغوط- لن تقبل بما يقبل به «صهاينة الـعـرب» الـذيـن لا يقدّرون مخاطر عملية التمكين الصهي ونى تلك، أو يقدرونها لكن أعمتهم عروشهم، وفى كلا الحالين فإن هناك حائط صد، وجدار مقاومة؛ أوله فى غزة وآخره فى «سبتة» المغرب وما بين هذه وتلك هناك حرّاس للعقيدة يأبون أن تدنس أرض المسلمين بأقدام الصهاينة الملاعين.
أضف تعليقك