بقلم: وائل قنديل
اليوم، يكون قد مر أسبوعان على وزير العدل، المستشار أحمد سليمان، محبوسًا احتياطيًا في سجن مزرعة طرة، بينما يلهو عبد الفتاح السيسي فوق دراجته بأحاديث كاريكاتورية عن الدولة، وبناء الدولة، والوطن، والمواطن، والإعلام الذي لا ينقل الصورة كما يجب.
في الأثناء، هناك عشرات الشخصيات السياسية، من مختلف الأجيال والتيارات، تقبع في الزنازين، أو ترزح تحت التعذيب في أقبية الإخفاء القسري، بتهمةٍ مضحكةٍ اسمها إهانة القضاء.
جريمة وزير العدل السابق التي اعتقلوه بسببها أنه اختار أن يحافظ على احترامه ذاته، ومهنته، في مناخ مشبع بالجهالة والإسفاف والزيف، وتلخصها كلماتٌ له أرسلها قبل ثلاثة أعوام ردًا على صحيفة سيسية، نهشت في سمعته ومكانته القانونية، ولم تنشرها الصحيفة بالطبع، إعمالًا لقيمة حق الرد.
قال الوزير"أعاهد الله عز وجل أن نبقى إلى جانب الحق دائماً ندافع عنه وننصره ونسانده مدافعين عن حق الأمة فى الحياة الحرة الكريمة، وفى قضاء مستقل عادل، لا يتولاه فاسد، أو منحرف، أو منبطحٌ على عتبة باب السلطان، يمنّي نفسه أن ينعم بإشارةٍ من سبابة يده، أو قدمه، وحقها فى اختيار حكامها وممثليها بإرادتها، وفي الحياة في ظل احترام سيادة القانون وكفالة حقوق الإنسان، ومحاسبة كل مجرمٍ فاسدٍ أياً كان موقعه، مهما تكاتفت قوى الشر والفساد والطغيان والظلم وفلول التنظيم الطليعى من القضاة ومخبري الإعلام والمنتفعين واللصوص، موقنين بفضل الله ووعده ونصره وتأييده، ولينًصرن الله من ينصره، إن الله لقوى عزيز".
لا أحد يهين القضاء في مصر مثل عبد الفتاح السيسي، في سياق مشروعه الوحيد لإهانة وابتذال كل شيء محترم وحقيقي في مصر، إذ ليس هناك تجسيد للمعنى الكامل لإهانة القضاء من القبض على وزيرٍ للعدل، كل تهمته أنه يعبر عن آرائه السياسية والقانونية، بشكل سلمي محترم، على مواقع التواصل الاجتماعي، لينضم إلى قائمةٍ طويلةٍ من رجال القضاء المستقل النزيه، داخل السجون، وفي مقدمتهم المستشار محمود الخضيري، النائب السابق لرئيس محكمة النقض، والمستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، وثلاثتهم على مشارف الثمانين من العمر، وينتمون إلى تيار الاستقلال الذي خاض معارك باسلةٍ انتصارًا للعدالة والديمقراطية في زمن حسني مبارك، وأسهموا في حرث التربة، ووضع بذور ثورة يناير 2011.
على أن إهانة عبدالفتاح السيسي القضاء لا تنفصل عن نزوعه نحو إهانة كل شيء في مصر، ابتداءً من العسكرية التي دهس معانيها الحقيقية بدراجته التي يلعب بها في الكلية الحربية، بينما رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق يعاني داخل زنزانته من البطش والتنكيل، مرورًا بالعلم الذي تحول في زمن الجهل السيسي المطبق إلى تهمةٍ تقود صاحبها إلى السجن، أو المنفى، أو القبر، وليس انتهاء بالدستور، الذي فصله على مقاسه، ويلهو به، كما يلهو بدراجاته.
بموازاة ذلك، يحتفي الجنرال الذي تتلبسه حالة سيكوباتية حادة ضد كل ما هو حقيقي وجاد، بكل ما هو رديء ومبتذل، ويفرضه على الوجدان الجمعي، نموذجًا لما يريده لمصر، بحيث صار البقاء للأشد بذاءة وجهلًا في الإعلام، والأقوى انحطاطًا في السياسة والثقافة والقضاء، والأكثر تدنيًا في التعليم والإدارة، لكي يظهر السيسي، في نهاية المطاف، بصورة المعلم الأول، والفقيه الأول، والسياسي الأول، والرياضي الأول، والعسكري الأول، والإداري الأول، كما بدا في الفقرة التمثيلية الركيكة التي أدّاها معه لواء الجيش السابق، محافظ القاهرة، وهو يمطره بأسئلةٍ غير مسموح بإجابتها، ليسدل الستار على السيسي، وحده، يعرف ويفهم، وكل ما عداه جهلة وبلداء.
أضف تعليقك