• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: عامر شماخ

اغتممنا لمقتل أربعين شابًا مسلمًا بأيدي مسلمين آخرين، قتلوهم من دون بينة، اغتالوهم على الهوية. عقيب حادث أتوبيس السياح الفيتنامي سمعنا الخبر؛ فكأن هناك موعدًا لتصفيتهم ولو لم يقع الحادث، والعجيب أن عددًا من هؤلاء المغدورين فى الجيزة وبقيتهم فى العريش؛ فكيف تم الاتفاق على ارتكاب الحادث ثم التسلل فى هذه السويعات والمسافة شاسعة والوقت ضيق، ثم يأتى القتل السريع لهم جميعًا ونصفهم فى غرب مصر -كما قلت- والنصف الآخر فى شرقها.

أعتقد جازمًا أن مَنْ قتل الشباب هو من فجّر (الباص)، إنه (سيناريو) واحد دون الدخول فى تفاصيل إذا كان (الجواب يُقرأ من عنوانه). نعلم أن البلد الذى نعيش فيه (شبه دولة)، ونعلم ألا قانون يحكمه سوى قانون القوة المسلحة ودستور العسكر، لكن حتى فى قوانين الغاب هناك شىء من العقل، وقليل من المروءة والحياء.. للأسف لم أجد شيئًا من هذه الأخلاق الآدمية، إنما وجدت مجرمين يقاتلون فى سبيل الطاغوت، لا ينهاهم دين أو ضمير، وقد نُزع منهم العقل والإنسانية؛ فكأنهم آلات من حديد لا يشعرون بما يشعر به الآدميون.

إن (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة:32]، فكيف بمن قتل أربعين موحدًا فى ساعة واحدة، بدون حق إلا أن يقولوا ربى الله؟ وإذا كان القتلة مسلمين ألم تصلهم هذه الآية وغيرها من آيات كتاب الله؟ ألم يصلهم النهى عن القتل فى السنة، وهى أحاديث أكثر من أن تُحصى؟ وإذا كانوا جاهلين بكل ذلك ألم يعلموا حرمة الدم فى قانون الإنسان وأنه جالب للدم؟ فإذا كانوا لا يعلمون ذلك أيضًا فهم مجانين وُلوا هذه الوظيفة، وهو -فى الحقيقة- التفسير الأقرب لواقع هؤلاء السفاحين؛ لأن العاقل يدرك أنه يحمل وزر ما يفعل، فى الدنيا والآخرة، ويعلم أن القتل من الكبائر، وأنه أعظم الذنوب عند الله، وأنه إثمٌ يضاعف لصاحبه العذاب يوم القيامة، وهو كفرٌ لما جاء فى الحديث: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»؛ فكيف بمن قتل غيلة وروّع الآمنين وأدخل الحزن والكرب على الملايين؟!

ما العقيدة التى انطلق منها هؤلاء لارتكاب جريمتهم؟ وما المقابل الذى حصلوا عليه وقد خسروا الدنيا والآخرة؟ إن ابن آدم الذى استن القتل لا زال عليه -رغم ندمه- وزر قتل أخيه، بل كل جريمة قتل تقع حتى قيام الساعة، ما استحق أن يكون من الخاسرين (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:30]، والخسران يكون فى الدارين، فلسوف يلقى القاتل جزاء ما فعل فى دنياه، هذا وعد الله فلا ينفعه مَنْ أمره بالقتل؛ إذ باع الأحمق آخرته بدنيا الآمر، وفى الآخرة عذاب عظيم ومقت من الله (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

إن الذى أغرى هؤلاء القتلة بالنجاة والأمن من العقاب وأعطاهم لعاعة من الدنيا، قد افتتح لهم طريقًا إلى التعاسة والبلاء، وأول البلاء الخوف من أولياء المقتول وعدم الأمن لمن حولهم، والآمر بالقتل الواعد بالحماية لن يدوم أبد الآبدين، فيظل هؤلاء فى نكد وروعات حتى يأخذهم الله خزايا مفتونين حيث عدله وموازينه القسط؛ فتُنصب لهم محكمة العدل الإلهية التى لا يفوتها فتيل أو قطمير، ولا تنحاز لأمير أو وزير.

ألا يعلم هؤلاء أنهم يحاربون فى سبيل الشيطان؟ وأن تلك الحرب خاسرة، وأنها لا تحمى بلدًا كما يدَّعون، إنما تحمى كراسى من يحكمون هذا البلد، وأن آثار هذه الحرب القذرة سوف تطال عائلاتهم وذويهم وأقرب الناس إليهم؛ ذلك لأنها مقدمة لسلسلة لا تنتهى من الدماء، وسبب لفوضى لا يوقفها شىء، وأقسم بالله غير حانث أنه لن تقوم لهذا البلد قائمة ما بقيت هذه الدماء من دون قصاص، تلك سنة الله فى الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا..

إن رب السموات والأرض، الحى القيوم، لا يرضى أن يقع فى خلقه هذا الفساد والظلم، وقد أوحى إلى نبيه المعصوم -صلى الله عليه وسلم-: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا فى دم مؤمن لأكبهم الله فى النار» [الترمذى]، وأوحى إليه: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق» [ابن ماجة] -فإنْ وقع الظلم عَمِلَ ناموس الله وظهرت قدرته، لا يفلت أحد من العقاب، فهو عام يصيب المجرمين والمشاركين بالقول والفعل، كما يصيب الساكتين. وهؤلاء الساكتون جرمهم أنهم رأوا ما رأوا فلم يجرؤوا على أن ينهوا الظالم عن ظلمه؛ فهم سببٌ فى تفشى الفساد، قد أطفئوا نور الله الذى فطرهم عليه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المجرمون.

أضف تعليقك