بقلم.. وائل قنديل
يغرق فيلم "الساعات الأخيرة" التي بثته فضائية الجزيرة، أخيرا، في اللحظات الختامية للمرحلة الخاطفة التي حكم فيها الرئيس المنتخب، محمد مرسي، ويتعمق في بيان النتائج، بتركيزٍ شديد، من دون أدنى اهتمام بالمقدمات، أو بالساعات الأولى، التي أدت إلى هذا المصير.
هذا القفز المقصود فوق المقدمات، وصولًا إلى النتائج، يجعل الفيلم أشبه بنعي لهذه المرحلة، وإحراق لصفحة الرئيس محمد مرسي، في كتاب التاريخ القريب جدًا، تمهيدًا للبدء فيما يمكن وصفه تجاوزًا "تأريخ لمستقبل تريده أطراف عدة"، أو تدشينًا لمرحلةٍ، يستبعد فيها الجميع، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، الرئيس مرسي من معادلات المستقبل.
يدهشك في السيناريو أن الأصوات والوجوه المتداخلة، وتحديدًا من جماعة الإخوان وأعضاء الفريق الرئاسي، تتنافس في تقديم سرديةٍ تظهر رئاسة الدكتور مرسي على قدر مخيف من الهشاشة والارتباك، إلى الحد الذي يسمح لسمسار شهير في بورصة السياسة المصرية لاتهام الرئيس المختطف بالسذاجة، وكأن المطلوب هو إغراق هذه الفترة، بأشخاصها وأحداثها الدرامية، من أجل تعويم أشخاصٍ آخرين، وإخراجهم من تحت ردم الجريمة، وإظهارهم في صورة أطواق النجاة أو الحلول والبدائل.
الساعات الأولى في قصة ذلك الانقلاب هي الأهم والأخطر، وما الساعات الأخيرة إلا تحصيل حاصل، ومن ثم فإن الغوص فيها يعني، ببساطةٍ، طي صفحة ما سبق، ليجد كل من شارك في الجريمة مخرجًا آمنًا، لتختفي بعد ذلك خمس سنوات أو أكثر في أحراش الصمت المتواطئ، ثم حين يتكلم يطرح نفسه وكأنه مهندس صناعة المستقبل.
والأمر كذلك، لا أدري سببًا للغضب، المفتعل للغاية، من بروموهات الفيلم قبل عرضه، من الدكتور محمد البرادعي الذي عينه قائد الانقلاب نائبًا للدمية الرئاسية، عدلي منصور، إذ يبدو السيناريو مجاملًا للغاية للبرادعي، ويظهره في صورة قدّيس الديمقراطية وحقوق الإنسان والمدافع عن عصمة الدماء، وهو الذي مرّت عليه في منصبه الدميوي (بوصفه نائب دمية) ثلاثة مذابح وجرائم ضد الإنسانية، حصدت أرواح العشرات، هي (الحرس الجمهوري والمنصورة والنصب التذكاري) من دون أن يفكّر في الابتعاد والاحتجاج على إراقة الدماء.
والحاصل أن الجزء الأخير من سيناريو الفيلم، وبعد أن انتهى من تصوير الرئيس مرسي وفريقه الرئاسي على هذا النحو المريع من الغفلة وعدم الكفاءة، فإنه يقدّم شهادتين عن البرادعي، على لسان وزير خارجية قطر في ذلك الوقت خالد العطية، وأيضًا عضو مجلس الأمن القومي الأميركي، أندرو ميلر، تظهرانه رجل السلمية والديمقراطية والحريص على الدماء، أو الساحر الذي يمكن أن يحوّل بعصاه الانقلاب العسكري إلى شيءٍ مفيد لمصر ولحقوق الإنسان، بتعبير المتحدث الأميركي.
هنا تبدو المسألة وكأن الفيلم الذي يبالغ في التعبير عن احتراق مرحلة مرسي، بلا رجعة، من خلال إشارات درامية مكثفة (مشهد اعتذاره عن إمامة فريقه الرئاسي في الصلاة إقرارًا بأنه مرحلة عابرة وانتهت) يحاول، في اللحظة ذاتها، إحياء أسطورة "الرجل ذي الثقل الدولي" الذي يمكن أن يكون، وقد تجاوز الثمانين من عمره عنوانًا للمستقبل، على الرغم من أنه لا يوجد من الأساس دليل واحد على أن العالم يضجّ من توحش النظام الانقلابي في مصر، كما لا توجد علامةٌ واحدةٌ على أن البرادعي، الثمانيني، مهمومٌ بشيءٍ إلا غسيل التاريخ الشخصي من بقع دماء عديدة، يستنكف الاعتراف والاعتذار عنها.
في الإجمال، خرجت من مشاهدة تسجيلي "الجزيرة" والسؤال لا يزال مشتعلًا: هل نحن بصدد فيلم عن نعي مرحلة مرسي، أم إحياء أسطورة البرادعي؟.
والحديث يطول..
أضف تعليقك