بقلم: معتز علي
على عكس المتوقع يحاول قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي إتباع الروشتة الاقتصادية التي نفذها الرئيس التركي أردوغان، والتي تسببت في انتشال تركيا من شفا الأزمة الاقتصادية التي ضربتها عام 2001، وقام بتحويلها إلي دولة صناعية وسياحية كبري، ومن ثم دخلت تركيا نادي العشرين الكبار اقتصاديا على مستوي العالم.
نجاح أردوغان الاقتصادي
قبل الاتحاد الأوروبي بصفة مبدئية عام 2004 طلب تركيا للانضمام له، مقابل الوعود بتنفيذ حزمة من الإصلاحات التشريعية، وهو ما شجع المستثمرين علي دخول السوق التركية والاستثمار فيها، وركزت الحكومة التركية علي مشروعات كثيفة العمالة مثل صناعات السيارات وكماليتها، بالإضافة لصناعة المنسوجات والأجهزة الكهربائية، حيث كانت تصدر لأوروبا القريبة منها، وهو ما ساعد أردوغان في زيادة الصادرات التركية من 30 مليار دولار وقت استلامه للحكم، إلى 170 مليار دولار نهاية عام 2018.
كما نجح أردوغان خلال فترة حكمه في جذب أكثر من 200 مليار دولار لتركيا، والتي ساهمت في تمويل للمشاريع العملاقة التي تم تنفيذها في تركيا، بدءا من شبكات طرق وجسور وسكك حديد سريعة لربط الأناضول داخليا، فضلا عن خطوط سكة حديد دولية تربط تركيا مع أسيا الوسطي شرقا، وأخرى مع بلغاريا وصربيا غربا، مرورا بمحطة للطاقة النووية وانتهاء بسلسة مطارات دولية بلغت 36 مطار جديد في جميع أنحاء تركيا، لخدمة السياحة والنمو الاقتصادي المتزايد في البلاد.
صورة أردوغان في عيون العرب والمسلمين
بلغ الناتج القومي التركي 851 مليار دولار عام 2017، كما وصل قبل ذروة التوتر السياسي في المنطقة عام 2013 لـ950 مليار دولار، وتخطي عدد السياح الأربعون مليون سائح عام 2018. وساعدت تلك الطفرة الاقتصادية في الاستقلال السياسي لتركيا وهو ما انعكس على قرارات أردوغان السياسية، المتمثلة في دعم ثورات الربيع العربي ودعم حقوق الشعب الفلسطيني مقابل الدعم الغربي لإسرائيل، وهو ما ساعد أردوغان على صناعة صورة ذهنية إيجابية في ذهن المواطن العربي والمسلم.
تخبط وفشل
بالمقابل تسلم السيسي مصر بعد الانقلاب في وضع اقتصادي أفضل نسبيا، إلا أنه بدأ فترة حكمه بإطلاقه لعدة مشروعات ضخمة مثل مشروع تفريعة قناة السويس والذي تكلف أكثر من 8 مليار دولار دون عوائد تذكر، وهو المشروع الذي تسبب بضياع جزء كبير من الاحتياطي النقدي لمصر، وترتب عليه ارتفاع كبير في سعر صرف الدولار من 7 إلى 18 جنيها في أقل من عامين.
كما قام السيسي بإطلاق مشروع العاصمة الإدارية الجديدة في 2015، على هامش مؤتمر عالمي في شرم الشيخ لجلب التمويل لمشروعاته، لكن حدوث نقص شديد في الدولار وشكاوي المستثمرين من عدم قدرتهم على تحويل أرباحهم للخارج، قلص من دخول مستثمرين جدد لمصر، فضلا عن تصاعد الهجمات الإرهابية في سيناء وسقوط الطائرة الروسية في أكتوبر 2015، والتي على إثرها قامت عدة دول أوروبية مثل إنجلترا وروسيا بإعلان مصر دولة غير أمنة سياحيا، الأمر الذي أثر علي الواردات الدولارية القادمة من السياحة.
مشاريع إعمارية مشابهة لتركيا
بعد فشل استقدام استثمارات حقيقة في مصر، اعتمد السيسي على التمويل الخليجي بصفة أساسية، حيث بدأ مشروع العاصمة الإدارية بتمويل حكومي وقروض خارجية من الإمارات والسعودية والصين، كما بدأ في مشروع محور المحمودية بالإسكندرية، والذي يتضمن خدمة لنقل الركاب تشبه خدمه متروبوص إسطنبول، حيث يحاول السيسي عمل نهضة إنشائية في قطاع الطرق والجسور والتنمية العقارية مشابهة لما قام بها أردوغان في تركيا، حيث باعت تركيا في عهد أردوغان ما يوازي 35 مليار دولار من العقارات للمستثمرين الأجانب، الذين يقبلون على شراء تلك العقارات بسبب وجود بنية تحتية قوية وشبكة طرق وسكك حديد ومطارات على الطراز الأوروبي بالإضافة لفرص للاستثمار والتعليم، فضلا عن الطبيعة الساحرة ووجود تنوع سياحي كبير، وهو يكاد يكون غير موجود في مصر.
مشاريع سياحية وتهجير الوراق ونزلة السمان
في إطار المنافسة مع تركيا على السياح الأوروبيين، دخل الاستثمار الخليجي بقوة من خلال مشروعات سياحية في وسط القاهرة، مثل مثلث ماسبيرو، والذي تم إخلائه من السكان، كما تجري عدة محاولات لتهجير سكان (جزيرة الوراق) النيلية من سكانها والتي تبلغ مساحتها60 فدان، لإقامة مشروع سياحي كبير.
وفي نفس السياق يحاول النظام المصري إخلاء منطقة (نزلة السمان) الملاصقة للهرم من السكان، لتسليمها لمستثمر مصري من أجل تطويرها، إلا أن كل محاولات التهجير من جزيرة الوراق ونزلة السمان باءت بالفشل. كما تم البدء بإنشاء مدينة جديدة على شاطئ البحر المتوسط عند منطقة العلمين، لاستغلال الموقع التاريخي للمدينة في زيادة العائدات السياحة. وعلى نفس المنوال يجري التخطيط لمشروع عمراني كبير يسمي مدينة إسكندرية الجديدة على أرض مطار النزهة بالإسكندرية، الذي توقف العمل به بالرغم من تطويره بـ320 مليون جنيه بين عامي (2012-2014)، في سلسلة إهدار للمال العام وسوء التخطيط.
النتيجة صفر
وفي ظل الانكماش الاقتصادي والأزمة المالية الحادة التي تعاني منها مصر، فشلت كل تلك المشروعات في جذب رؤوس أموال غربية للاستثمار في شراء عقارات أو حتي المشاركة في تمويل المشروعات الكبرى، بنظام الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية (BOT)، أو نظام مشاركة القطاع العام والقطاع الخاص (PPP) على غرار التجربة التركية، الأمر الذي اضطر السيسي للاقتراض من الجهات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد لتعويض النقص في العملة الصعبة، فضلا عن الاقتراض الخليجي المتزايد.
وبالرغم من العجز الكبير في الموازنة المصرية والغلاء الكبير في الأسعار، وتخطي الدين الخارجي لمصر حاجز الـ100 مليار دولار، إلا أن كل ذلك لم يمنع السيسي من إطلاق مشاريع مستفزة للشعب المصري، مثل مشروع قطار العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع النهر الأخضر لإمداد العاصمة الجديدة بالمياه، بتكلفة تبلغ 30 مليار للمشروعين.
سياسة أردوغان الخارجية
علي الصعيد الخارجي نجحت سياسة تركيا في ملفات الهجرة والغاز في إجبار الاتحاد الأوروبي علي الانصياع لرغباتها، حيث نجح أردوغان في منع اجتياح إدلب من قبل قوات النظام السوري والقوات الروسية أواخر 2018، بعد تحذير أردوغان للاتحاد الأوروبي من موجة نزوح ثانية لأوروبا عبر تركيا نتيجة لذلك الاجتياح، والذي قد يصل لـ3 ملايين سوري، وأن تركيا لن تتحمل موجات أخري من النزوح وقد تضطر لفتح حدودها مع أوروبا، الأمر الذي دفع ميركل للضغط علي بوتين لمنع تنفيذ ذلك المخطط، كما نجح أردوغان في إجبار أوروبا علي المشاركة في النفقات التي تنفقها تركيا سنويا علي خمسة ملايين لاجئ سوري وعربي والتي بلغت 4 مليارات دولار سنويا، حيث تعهدت أوروبا بدفع 3 مليارات يورو كل عامين، مقابل تشديد تركيا للإجراءات الأمنية على حدودها مع أوروبا. وفي ملف الغاز، تسابق تركيا الزمن لإتمام أنبوبي الغاز الأذري والروسي العابرين لأوروبا عبر تركيا، لتغذية شرق وجنوب أوروبا بالغاز، الأمر الذي يزيد من الثقل السياسي لتركيا ويمنحها مزيدا من القوة الناعمة في سياستها الخارجية.
السيسي بديل لأردوغان
بالمقابل، يحاول السيسي أن يكون البديل لأردوغان في ملفي الغاز واللاجئين، حيث صرح السيسي عدة مرات بأن مصر تستقبل 5 ملايين لاجئ إفريقي وسوري، وبالرغم من أن التقارير الأممية حصرت 280 ألف لاجئ فقط في مصر، إلا أن السيسي يلح على أوروبا في ذلك الملف محاولا انتزاع مساعدات أوروبية على غرار أردوغان.
وعلى صعيد مشاريع الغاز، قام السيسي بتسريع اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، تمهيدا لنقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي عبر أنبوب لأوروبا، بالتوازي مع تشغيل محطات الإسالة في إدكو ودمياط بالغاز الإسرائيلي ومن ثم تصديره لأوروبا، ليكون بديلا لأنابيب الغاز التركية لأوروبا، في إطار المنافسة السياسية مع أدروغان.
محطات نووية روسية
بعد وضع تركيا لحجر الأساس لإنشاء أول محطة نووية بتكنولوجيا روسية بقدرة توليد 4800 ميجاوات في جنوب تركيا (إبريل 2015) وبتكلفة تبلغ 20 مليار دولار، وقع السيسي مع بوتين في نوفمبر من نفس العام عقدا لبناء محطة نووية في مدينة الضبعة بنفس قدرة التوليد وبتكلفة تبلغ 29 مليار دولار، بزيادة 9 مليارات دولار عن نظيرتها التركية، فيما يشبه تعويض ضمني من السيسي لبوتين، عن ضحايا الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء في أكتوبر 2015.
وعود خادعة
برغم مرور 5 سنوات على وجود السيسي على قمة الحكم في مصر، إلا أنه فشل في تحقيق أي نجاحات اقتصادية، حيث لا تزال الصادرات المصرية تعاني من الانخفاض الحاد، وبالتالي عجز متزايد للدولار، واعتماد أكبر على القروض الخارجية المشروطة، وتبخرت كل الوعود التي قدمها لمؤيديه بتحقيق طفرة اقتصادية كبيرة في خلال سنتين فقط.
أضف تعليقك