• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم جمال نصار

القتل الجماعي والعمل الإرهابي الذي وقع في نيوزيلندا يوم الجمعة (15 آذار/ مارس 2019)، والذي نفذه الإرهابي "برينتون تارانت" (28 عامًا)، جريمة بشعة بكل المقاييس، ناهيكم عن وقوعها في مسجدين أثناء أداء المصلين المسلمين لشعيرة الجمعة، وهذه الجريمة راح ضحيتها 50 شهيدًا، و50 مصابًا، وهذا العمل هو نتيجة مؤسفة لانتشار خطاب التطرف اليميني في بعض الدول الغربية ضد المسلمين، وسيطرة ثقافة (الإسلاموفوبيا) عند البعض.

مواقف باهتة

ولم يتحرك القادة الغربيون ومعهم بعض الحكام العرب بالشكل المطلوب، ضد هذه الجريمة، مثلما تحركوا في حادثة الهجوم على صحيفة "شارلي إبدو" الفرنسية، التي وقعت في باريس في 7 كانون الثاني/ يناير 2015، والتي راح ضحيتها 12 قتيلًا و11 مصابًا من غير المسلمين.

ولم نسمع إلا تفاعل الرئيس التركي مباشرة، واستنكاره الشديد لهذه الجريمة، بقوله: "إنني أدين بشدة الهجوم الإرهابي على مسجد النور والمصلين"، مضيفًا: "إن الحادث الأليم يعد مثالًا جديدًا على العنصرية المتصاعدة ومعاداة الإسلام في العالم". وقدّم أردوغان "تعازي بلاده إلى العالم الإسلامي وإلى الشعب في نيوزيلندا، على هذا العمل المؤسف". كما أرسل نائبه ووزير خارجيته في اليوم التالي لزيارة نيوزيلندا، لتقديم واجب العزاء لأهالي الضحايا، أما بعض الدول العربية والإسلامية فقد أصدرت بيانات باهتة.

جهود رئيسة وزراء نيوزيلندا في مواجهة الحادث

أبدت السيدة "جاسيندا أردرن" (38 عامًا) رئيسة وزراء نيوزيلندا تعاطفًا شديدًا تجاه الضحايا وأسرهم، وظهرت مرتين وهي ترتدي الحجاب، في زيارتين للجالية المسلمة، والتقطت العدسات صورها وهي تربت على أكتاف البعض، وتحتضن آخرين، وأكدت على أن الحكومة ستقدم الدعم المالي للأسر التي فقدت من يعولها.

ثم ظهرت "أردرن" في سياق آخر، وهي تقول بكل حزم أن منفذ الهجوم "ليس منا"، وتطمئن الضحايا وأسرهم والمسلمين في نيوزيلندا أن حكومتها ستدفع تجاه تعديل قوانين الأسلحة في البلاد.

وفي اليوم التالي للحادث، قالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية للصحفيين "بات من الواضح لدينا الآن أنه يمكن وصف ذلك الهجوم بأنه إرهابي"، ونشرت تغريدة على موقع تويتر قالت: "ما حدث في كرايستشيرش  Christchurch هو عمل عنف غير مسبوق، وليس له مكان في نيوزيلندا، وكثير من الضحايا هم من أعضاء جالياتنا المهاجرة ونيوزيلندا هي موطنهم، وهم منّا".

 

أبدت السيدة "جاسيندا أردرن" (38 عامًا) رئيسة وزراء نيوزيلندا تعاطفًا شديدًا تجاه الضحايا وأسرهم، وظهرت مرتين وهي ترتدي الحجاب، في زيارتين للجالية المسلمة،


وقد طالبت جهات عديدة بمنحها جائزة نوبل للسلام، كما أفردت صحيفة "إندبندنت" تقريرًا يتناول الأسباب التي تدفع نحو إعطاء رئيسة وزراء نيوزيلندا، هذه الجائزة، منها:

إدانتها للإرهاب القومي الأبيض، في مقابل قول دونالد ترمب، بعد سؤاله عن احتمال وجود تصاعد في القومية البيضاء وتهديدها للأمن العالمي بأنه "ليس تهديدًا".

كما أعادت تعريف الطريقة التي يجب أن نتحدث بها عن المأساة عن طريق تحويل التركيز العالمي من الجاني إلى الضحية، في خطوة رمزية مهمة، رافضة استخدام اسم مطلق النار الأسترالي بالاسم، وملأت خطابها دعوات لدعم المجتمع.

ودعمها بشكل كبير للجالية المسلمة في نيوزيلندا، في أعقاب المأساة، ولم تكتف بالعزاء والصلوات، وأمرت بتغطية تكاليف الجنازة للضحايا الخمسين، وقضت وقتًا مع أسر الضحايا، ولبست الحجاب مرارًا من أجل تكريمهم.


وخاطبت كذلك رئيسة الوزراء البرلمان باستخدام تحية الإسلام: "السلام عليكم"، وسافرت إلى "كرايستشيرش"، حيث وقع الهجوم، لمراقبة إذاعة الأذان في عموم نيوزيلندا.

تحية لهذه المرأة التي قامت بواجبها كمسؤولة في مواساة أهالي الضحايا، بشكل خاص، والمسلمين في نيوزيلندا بشكل عام، وقدّمت نموذجًا إنسانيًا راقيًا في محاربة العنصرية البغيضة، وأكدت على حق الجميع في المواطنة الحقيقية.

لماذا تنتشر ثقافة الكراهية في الغرب ضد المسلمين؟

بعيدًا عن استدعاء التاريخ لمرتكب جريمة المسجدين، ومحاولته البغيضة في رسالته المطوّلة التي عبّر فيها عن حقده للإسلام والمسلمين، إلا أننا نجد هذه الروح موجودة عند بعض السياسيين والكتّاب الغربيين، وخصوصًا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. 

أراد بعض قادة الغرب البحث عن عدو بديل، وعبّر بعضهم بقوله إن العدو القادم هو الإسلام، ومن ثمّ أشاروا بشكل مباشر إلى العداء للمسلمين، وبذلوا محاولات حثيثة مدعومة من اللوبي الصهيوني في الغرب، لربط الإسلام والمسلمين بالأعمال الإرهابية!

والملاحظ أن الأنظمة السياسية تحتاج، في بعض الأحيان، خلال مراحل تطورها إلى عدو خارجي، بهدف توظيف الخطر والتهديد الذي يمثله العدو المفترض؛ سواء أكان حقيقيًا أم وهميًا لتحقيق غرض ما، أو تبرير سلوك سياسي معين، فكان لزامًا على الغرب البحث عن عدو جديد لضمان استمرار نمو الآلة العسكرية الغربية بنسب مرتفعة، وتطوير قدراتها العسكرية بتخصيص نسب مرتفعة من الميزانية العامة لقضايا الدفاع، ودعم هيمنة العقلية العسكرية.

ولكننا إذا قمنا بحصر الأعمال الإرهابية على مستوى العالم؛ سنجد أن أغلب هذه الأعمال الإجرامية ارتكبها غير مسلمين، ولا تمثل الجرائم التي ارتكبها المسلمون إلا نسبة قليلة جدًا بالمقارنة بما قام به المتطرفون المسيحيون أو اليهود، ولكن للأسف الآلة الإعلامية الجهنمية في الغرب، وتبنّي بعض الساسة الغربيين بتوجيه الاتهامات إلى المسلمين، هو الذي ترك صورة ذهنية لدى البعض بأن الأعمال الإرهابية دائمًا تأتي من المسلمين، والمنطقة العربية.

 

الملاحظ أن الأنظمة السياسية تحتاج، في بعض الأحيان، خلال مراحل تطورها إلى عدو خارجي، بهدف توظيف الخطر والتهديد الذي يمثله العدو المفترض؛ سواء أكان حقيقيًا أم وهميًا لتحقيق غرض ما


وللأسف بعض الأنظمة العربية تساهم بشكل أو بآخر في التأكيد على هذه الفكرة المشوّهة، فقد رأينا السيسي المنقلب على الديمقراطية في أحد خطاباته (3-1-2015) يقول: "يعني 1.6 مليار هيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هم"، كما قال في معرض حديثه في مؤتمر ميونخ للأمن (15-2-2019) موجهًا كلامه للقادة الغربيين، بأن ينتبهوا إلى دور العبادة في بلدانهم، ويقوموا بمراقبتها، متحدثًا عن خطر المساجد في نشر التطرف. ولم يتوانى محمد بن زايد، عدو الثورات العربية، أن يسير قبله على نفس النهج، من التحذير الدائم للغربيين من المهاجرين المسلمين، وخصوصًا في ألمانيا! 

 

مخاطر خطاب الكراهية

أقول: إذا سارت الأمور على هذا المنوال من دفع بعض السياسيين والمفكرين العنصريين في اتجاه الكراهية ضد المسلمين، فإننا سنكون مقبلين على كارثة حقيقية، بعد أن أصبحت كراهية الإسلام سياسة يعتنقها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومساعدوه في البيت الأبيض. 

ولا شك أن ذلك ينسحب على أوروبا التي ستعاني كثيرًا بسبب السياسة الأميركية الجديدة التي تتجه بسرعة صاروخية إلى التقوقع حول هويتها البيضاء البروتستانتية الديانة، الإنجليزية الثقافة. وهو ما نظَّر له "صمويل هنتنغتون" في آخر كتبه "من نحن؟" (2004)، ونبه من قبل إلى خطر المسلمين في كتاباته.

ومن أبرز أدوات صناعة الكراهية: نشر الكذب والافتراءات، والتلاعب بالعقول، وتزوير الحقائق، وتزييف البيانات، وأقبح الحروب هي التي تقوم على الكراهية، وأكثرها وحشية هي التي ترتكب باسم الدين، وهي سلاح يفتك ببنية المجتمعات.

إذن ليس المطلوب تعميم ثقافة الكراهية، ورفض الآخر واستغلال وسائل التواصل والميديا لهذه الأغراض الخبيثة، بل المطلوب بشكل مُلح المزيد من الشجاعة الأدبية والسياسية والمعنوية في النقد الذاتي، وتنظيم العيش المشترك بين النخب السياسية والدينية لكي تتعايش الشعوب بشكل سلمي، ولا تنجرف نحو الهاوية بتبني خطاب الكراهية بين الأديان، الذي يؤدي في النهاية إلى إثارة الفوضى، والقتل والدمار، وعدم استقرار المجتمعات. 

أضف تعليقك