بقلم: وائل قنديل
أحمد سبع الليل كبر، وتطوّر وترقى، ولم يعد مجند الأمن المركزي، المغلوب على أمره، والمطموس على عقله الذي ينفذ التعليمات بالضرب والركل والسحل، من دون نقاش، تقديسًا لتراب الوطن.
حالة "سبع الليل" انتقلت من المجنّد الذي لا يقرأ ولا يكتب ولا يفكر إلى ضباط برتب كبيرة ومتوسطة، يسلكون مثله، ويتصرّفون على طريقته، وهم يواجهون التلاميذ الصغار، بنات وأولاد في سن الرابعة عشر، تجاسروا وخرجوا يدافعون عن حقهم في مستقبل دراسي، لدى نظام امتحانات فاشل وساقط، بإصرار عجيب.
الفارق بين حالة "سبع الليل" كما عايشناها سينمائيًا في فيلم "البريء"، تحفة عاطف الطيب وأحمد زكي ووحيد حامد، منتصف الثمانينات الماضية، وحالته، كما شاهدناها في اللقطات المصورة، هذا الأسبوع مع تلاميذ أولى ثانوي، أنه في الثمانينات كان يفعلها، وهو مسكونٌ بعقيدة أن هذا منتهى العشق للوطن، إذ يفتك بأعداء الوطن الذين حددهم له قائده الضابط الكبير، في كل من يشارك في تظاهرات ضد سياسات الحكومة.
أما الآن، فقد صار "سبع الليل" يفعلها من أجل متعته الشخصية، ومصلحته الذاتية الضيقة، لا مصلحة الوطن العليا، أصبح يتلذّذ، وهو يذيق الجماهير من المدنيين الأوغاد، أعدائه وأعداء الوطن، صنوف الإهانة، ويتفنن في اختراع ميكانيزمات القهر والبطش والتنكيل، سعيدًا جدًا وراضيًا، لأن هناك من بدأ مزاولة سلطته، انقلابًا واغتصابًا، بعبارة "من هنا ورايح مفيش ضابط هيتحاكم".
ست سنوات كاملة تفصل بين مشهدين متناقضين تمامًا، الأول: عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، يحرّض الجماهير على الخروج والتظاهر، ضد الرئيس المدني المنتخب، سعيًا إلى إسقاطه، عندما كان يخطب فيمن اختصهم بالدعوة لمشاهدة عرض أوبريت "حبيبي يا وطن"، في جامعة المستقبل، مساء الأحد 28 أبريل/ نيسان 2013 حين قال "خلوا بالكم من هذا الكلام جيدًا.. إحنا إدينا تنقطع قبل ما تمسكم". والمشهد الثاتي: ضباط يفتكون ببنات صغيرات وزملائهن من تلاميذ أولى ثانوي، الذين خرجوا للاحتجاج، بعد أن فشلت الحكومة في عقد امتحانات نهاية العام لهم، وفقًا للنظام الإلكتروني الجديد.
وبين المشهدين آلاف من الصور والحكايات عن فظائع ارتكبت بحق المواطنين، امتدّت فيها الأيدي التي أقسم رئيس سلطة الانقلاب على ألا تمتد على مصري، فقتلت مسجونين تعذيبًا، وحرمانًا من العلاج، وقتلت متظاهرين ومتظاهرات نحرًا ورميًا بالذخيرة الحية في الميادين، ولم نسمع أن يدًا واحدًة من الأيدي المجرمة قطعت أو سكتت عن البطش، بل صارت قوائم العفو عن السجناء تصمّم خصيصًا لإلغاء العقوبات القضائية على أصحاب الأيدي الملوثة بدماء المصريين، من ضباط شرطة أو "مواطنين شرفاء"
الأكثر خزيًا في مشاهد الضباط والتلاميذ هو تواطؤ الإعلام الذي هو عين المجتمع على السلطة، وتخاذل المجتمع الحقوقي والقانوني، فلم تجرؤ وسيلةٌ مكتوبةٌ أو مسموعةٌ أو مقروءةٌ على تغطيات احتجاجات التلاميذ، التي اندلعت في محافظات عدة، كما لم تهرع فرق الدفاع القانوني لحصر حالات التلاميذ الموقوفين، أو المعتدى عليهم، وهذا الأمر وفر ملاذاتٍ آمنة لقوات الأمن، كي تهرب من الفضيحة التي اشتعلت بها المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، كي تعلن الشرطة، في نهاية المطاف، أن الصور المتداولة قديمة ومزيفة، وأن أبطال هذا العار لا ينتمون لجهاز الشرطة، ليغلق الملف، كما أغلق، قبل ذلك، في فضيحة كراتين الاستفتاء، بالعبارة التقليدية الشهيرة "الإخوان أعداء الوطن هم الذين فعلوها".
نسيت أن أقول لك إن كثيرين من نموذج المثقف العضوي الذي ظهر في فيلم "البريء" يدافع عن الحريات ويرفض الاستبداد، صاروا أقرب إلى حالة أحمد سبع الليل، جندي الأمن المركزي، المستخدم أداة للبطش، ويمكنك مراجعة أدائهم قبيل محرقة "رابعة العدوية"، لتتأكد بنفسك.
أضف تعليقك