بقلم: محمد طلبة رضوان
قرّرت وزارة التعليم المصرية تحويل امتحانات الثانوية العامة من الإجابة بالورقة والقلم إلى "التابلت". خطوة جيدة، ومناسبة لثقافة هذا الجيل. شباب الثانوي يحفظ هذه الأجهزة مثل اسمه، يتعامل معها منذ طفولته، جيل التابلت، والهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المنزلية والآيباد وغيره. كان متوقعا أن يرحب الطلبة بالخطوة، ويعتبرونها في مصلحتهم، وهو ما حدث في بادئ الأمر، إلا أن الطلبة رفضوها بعد أن جرّبوها، بل وتظاهروا ضدها، وضد استخدامها في امتحانات الثانوية. مظاهرات في القاهرة والإسكندرية وعدد من المحافظات، ترفض "التابلت". وزارة التعليم تاجرت بالأجهزة الإلكترونية، ومعها مستقبل الشباب، باعوا الأجهزة لأولياء الأمور، وسحبوا فلوسهم، وحين جاء موعد الامتحان فوجئ أولادهم بأن الأسئلة لا تصل إليهم، وإذا وصلت تختفي في منتصف الامتحان: "السيستم واقع"، الأكواد خاطئة، وقت الامتحان يضيع، ويضيع معه تعب عام كامل، من دون الوصول إلى الأسئلة، مجهودات ومذاكرة ومصاريف ودروس خصوصية وأحلام بالكلية والجامعة، كلها ضاعت سدىً أمام المنظومة الفاشلة إلى درجة العجز عن توفير أسئلة الامتحان. وقف الطلاب للتظاهر والاعتراض والمطالبة بالعودة إلى النظام القديم، ليس لأن النظام الجديد لا يتناسب مع قدراتهم، فهم جيل التابلت، إنما لأنه لا يتناسب مع قدرات الدولة!
الداخلية المصرية المرعوبة، ممثل النظام في الشوارع، تعاملت مع المظاهرات بـ "حيوانيةٍ" نقلتها الصور ومقاطع الفيديو التي سرّبت حول الحدث. ليس في وصف الحيوانية أي مبالغة، بل هو محاولة للاقتراب مما رأيناه. الوصف الأدق لا تسمح به قواعد النشر. الصورة الأكثر اشتهاراً كانت لضابطٍ يهاجم طالبةً من الخلف، يلتصق بها بجسمِه، ويحيط رقبتها بذراعِه، ليخنقها وسط صراخ زميلاتها ومحاولة آخرين إقناعه بتركها من دون جدوى. ثمّة صور أخرى لشباب صغارٍ تركت هراوات العساكر على وجوههم عاهاتٍ مستديمة، تذكّرهم دائما بأي دولة يعيشون..
تزامنت المظاهرات، وردود فعل الدولة الوطنية التي لا تجيد استخدام "التابلت"، وتعاقب مواطنيها من العيال، لأنهم يخبرونها بذلك، خوفاً على مستقبلهم، مع نقاشاتٍ على مواقع التواصل عن دور الدولة في معاقبة المفطرين. شيخ أزهري كتب على صفحته، يصف الإفطار في نهار رمضان بالجريمة التي يجب أن يُقبض على صاحبها ويعاقب. حاول معلقون التطرق إلى حرية الناس، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، والسؤال عن أصحاب الأعذار من المرضى والمسافرين، فضلاً عن غير المسلمين، وغير المقتنعين، إلا أن أولتراس الشيخ تكفلوا بتوضيح أن الجهر بالفطر جريمة، حتى لو كان الفطر نفسه مباحاً لصاحبه، فمشاعر الصائمين المرهفة تأبى أن ترى عين الصائم مفطراً، وعلى الدولة أن تتدخّل فورا لإنقاذ مشاعر الصائمين وحمايتها.
الفتوى أزهرية، والمؤيدون بالآلاف، وفيهم شباب، يماثلون شباب "أولى ثانوي" في العمر، الغضب الذي اجتاح مواقع التواصل إزاء صور ضرب الطلبة هو نفسُه التأييد الذي رافق دعوة الشيخ الحكومي بالتدخل الحكومي، لإنقاذ الصوم الحكومي من تمرّد الخارجين على الله، يرفض الشباب عصا الدولة، إذا كان الأمر يختص بدنياهم، فيما يقبلونه من شيخٍ يُخبرهم أن الأمر يخصّ دينهم، الشيخ الذي لم يكتب سطراً واحداً دفاعاً عن الطلبة المهدّدين في مستقبلهم، أقنعهم ببساطة بالاستغناء عن حريتهم التي كفلها لهم دينهم، فيما لم تفلح هراوات العساكر أن تنتزعها منهم غصبا. لو كانت الدولة بذكاء شيوخها لأخبرت الطلبة أن الامتحان سوف يتحوّل من الورقة العادية إلى "التابلت" الإسلامي، ولأوجدت للأكواد الخربانة مبرّرات دينية، وتوصيفات تخرجها من دائرة الدنيا إلى الآخرة.. ولوافق أغلب الطلبة، ورسبوا في سبيل الله.
استدعاء عصا الدولة إفلاس يحتاج إلى غطاء، لا تملك وزارة التعليم نظاماً مقنعاً لطلابها، كما لا يملك الشيخ شيئاً حقيقياً ليقدّمه، فإذا به يطلب البوليس لمن يخالفونه. في الحالتين، تجارة بائرة ومنتج رخيص، ومستهلك ضائع مسكين، لا يدرك أن دينه هو دنياه، وأن الدولة التي تضيع عليه دنياه لا يمكن أن تحمي له دينه، وأن الثمن في الحالتين واحد، حريته.
أضف تعليقك