• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: عامر عبد المنعم

في مشهد مهيب ودعت الأمة الإسلامية الدكتور محمد مرسي الرئيس الوحيد لمصر، الذي اختاره الشعب المصري في أول انتخابات حرة تجري منذ نشوء الحضارة على جانبي نهر النيل، وأدي المسلمون في أنحاء العالم صلاة الغائب عليه، وبكت عليه العيون، ورفع الملايين أكفهم إلى الله يدعون له بقلوبهم.

لم تفلح كل المحاولات لكسره، ولم ينجح من سجنوه في هزيمته، وظل واقفا على قدميه عزيزا، رغم منعه منذ 6 سنوات من الكلام، وعزله عن البشر، في سجون حديدية وأقفاص زجاجية، ولم يستطيعوا محو ذكره ونسيان اسمه، وتشويه صورته الناصعة كرئيس حاول أن يحقق أمنيات شعب اختاره في لحظه تكتلت فيها كل دوائر خصومه في الداخل والخارج ضده.

وافته المنية وهو مسجون في علبة شفافة داخل محكمة بتهمة التخابر مع حماس، وهي تهمة مشرفة لا تشينه ولا تسيء إليه، وكأن من أرادوا إهانته سخرهم الله لتكريمه وتقديم شهادة بحبه لوطنه وأمته، والحفاظ على الثوابت الوطنية والدينية بمساندة الشعب الفلسطيني والوقوف مع غزة.

منذ الانقلاب لم نتمكن من رؤيته وسماع صوته إلا في حالات نادرة، غير واضحة، وتسريبات غير مكتملة من كلماته وهو في قفص زجاجي محكم حتى لا يصل صوته للحاضرين، وحتى لا يصل إليه ما يدور في القاعة من مرافعات وأقوال، في أغرب محاكمة تكشف حجم الظلم الذي تعرض له، وحرمانه من أبسط قواعد العدالة.

الجدل حول الوفاة

سيظل الجدل حول الوفاة محتدما، فالمعاملة التي كان يعامل بها الرئيس مرسي غير لائقة بمن تولى رئاسة الدولة المصرية، وكان يكفيهم بعد أن أطاحوا به أن يعاملوه معاملة كريمة ويحترموا منصبه ومكانته كمواطن مصري، احتراما لقيمنا ولديننا، وأيضا تقديرا للشعب المصري الذي يشعر بالإهانة من الممارسات داخل السجون.

المعاملة التي تلقاها الرئيس مرسي وكل السجناء والمعتقلين كانت مسيئة لصورة مصر أمام المصريين وأمام شعوب الأرض، وكان منطقيا أن حرمان الرئيس محمد مرسي من الأدوية وإساءة معاملته على النحو الذي كان معلوما للكافة سيفضي في النهاية إلى الموت، كما حدث مع آخرين سبقوه وسيحدث لآخرين بعده ما لم تتوقف سياسة القتل البطيء.

لكن التعامل الحكومي بعصبية وعدم الحكمة في التصرف مع الوفاة أثار الريبة وفتح على الحكومة المصرية أبوابا من الشكوك؛ خاصة أن الموقف الرسمي بدا مؤخرا وكأنه يستعد لتصفية مرسي، وتهيئة الرأي العام للخلاص منه؛ ولعب الإعلاميون البارزون المرتبطون بالسلطة دورا في طرح الموضوع بإلحاح في الفترة الأخيرة بالرغم من عدم وجود أي تطورات سياسية تستدعي هذا التصعيد.

من المستفيد من غياب مرسي؟

لم يرتكب الرئيس محمد مرسي أية جريمة تبرر الدعوات لقتله وإعدامه، فهو رئيس منتخب، وظل حتى آخر اللحظات في القصر الرئاسي يدعو للحوار، ولهذا لم تقنع الحملة الإعلامية الداعية لإعدامه أحدا، بل كشفت عن النية المبيتة والإصرار على تغييبه من الوجود، وهذه الحملات هي التي جعلت كثيرين في الداخل والخارج لا يثقون في الرواية الرسمية حول وفاته.

ومن دون الدخول في تفاصيل ما جرى فإن الأيام ستكشف الكثير مما يخفى علينا، لكن السؤال الأهم الذي طرح نفسه منذ بداية الحديث عن التخلص من مرسي بالموت هو: من المستفيد من وفاته؟

أي حكم يبحث عن الاستقرار لا يفكر في القتل والإعدام لمعارضيه بعد زوال التهديد والسيطرة على الحكم وإزاحة النظام السابق بالدبابة والبندقية، فالتفكير السليم هو محاولة استرضاء الشعب بتحسين الصورة واستيعاب المعارضين، وتبني سياسات تحفظ للدولة هيبتها أمام كل مواطنيها.

لم يعد سرا أن النفس الصهيوني واضح تماما في إدارة الشأن المصري المحلي والدولي، والمستفيد الأكبر من موت مرسي هو الموساد الإسرائيلي والدوائر التابعة له، فوجود الدكتور محمد مرسي على قيد الحياة يشكل تهديدا لـ "إسرائيل" التي حصلت على مكاسب لم تكن تحلم بها منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى حكم مصر؛ ويشعر الإسرائيليون ودوائرهم بالقلق من احتمال حدوث أي تغيير غير محسوب في مصر وعودة مرسي ولو لساعة واحدة يلغي فيها ما تم من صفقات واتفاقات.

الفرصة التي ضاعت

عودة مرسي كانت أفضل حل للخلاص من الاتفاقيات الكارثية التي أبرمت خلال السنوات الماضية مثل بيع تيران وصنافير وترسيم الحدود في البحر المتوسط التي أعطت حقول الغاز المصرية لـ "إسرائيل" وقبرص واليونان، وأيضا القروض التي قدمتها الدول الغربية والشرقية لإغراق مصر في الدين، لتكون المدخل للاستيلاء على أصول الدولة المصرية، وغيرها من الاتفاقات والسياسات التي تتطابق مع الإستراتيجية الإسرائيلية.

أي نظام حكم وطني سيأتي في مصر بعد الفترة الاستثنائية الحالية - وهذا متوقع بقوة- سيجد تركة ثقيلة وكوارث يصعب احتمالها، فالدول الأجنبية التي شاركت في الانقلاب استفادت منه، وقدمت القروض لتشغيل مصانعها وتكبيل مصر بشروط يصعب الفكاك منها، وهذه الدول لن تتنازل عن عشرات المليارات التي دفعتها وستطالب بحصص في أصول الدولة التي سيتم تصفيتها لسداد الالتزامات، ولكن في حالة عودة مرسي سيكون موقفها القانوني ضعيفا، من باب ما بني على باطل فهو باطل، وسيكون مصير كل هذه الصفقات البطلان والخسارة.

لقد خسرنا شخصية كارزمية، وبطلا ضرب المثل في الثبات على الحق حتى الممات، ولكن تأثير محمد مرسي بعد استشهاده لا يقل عن تأثيره في حياته، وهذا ما يخيف خصومه منه حيا وميتا، فالانتصار اليوم لم يعد مجرد الوصول إلى كرسي الحكم على الجماجم والدماء لبعض الوقت، وإنما في الوصول إلى القلوب والعقول حتى تثقل كفة الحق ويكون الشعب أهلا لأن يحكمه حاكم عادل ولا يجد الظالم له مكانا.

أضف تعليقك