• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم.. سليم عزوز

هذان مصطلحان لهما علاقة ونيقة بأعمال "المعمار"، وإن امتد أحدهما، وهو "المقاولة"، إلى مجالات أخرى، فإن مصطلح "المناولة" قاصر على مجال التنفيذ في عمليات البناء، حيث يكون لكل عامل بناء "مناول" يرفع إليه الطوب أو الحجارة، هو صبيه، تماما كما يُطلق على صبي الميكانيكي "بلية"!

وإذا كانت مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل؛ تتعامل مع "التطبيع" على أنه "مقاولة" تُقدم عليه على مضض، فقد بدا واضحا أن السعودية والإمارات دخلتا على الخط، ليتحول الأمر من مجرد "مقاولة" خاصة بالنظام المصري، إلى "مناولة" يساعده فيها النظامان السعودي والإماراتي، وإن كانت مصر مترددة لا سيما في الجانب الخاص بالتطبيع الشعبي، لكن ولأن "الغربال الجديد له شدة"، فإن القوم في البلدين الخليجيين كانوا الأكثر جسارة، والأعلى صريخا. وبعض النشطاء في البلدين جهروا بالمعصية، وأعلنوا أنهم سيمارسون التطبيع، وقاموا بالتقرب من الصهاينة بكلمات الود، ثم قاموا بأولى الخطوات من خلال تشكيل وفد إعلامي ذهب إلى هناك. ولأنها "مناولة" لا "مقاولة"، فقد أعلنت بعض الصحف الإسرائيلية أن الوفد يضم صحفيين من مصر، وإلى الآن لم يمكننا الوقوف على من هم، كما أن باقي أعضاء الوفد، إلا كبيرهم، لم يعلنوا عن أنفسهم، فالإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وقد استوعبوا الدرس من الكراسي المتطايرة، والإهانات البالغة التي مني بها هذا الزعيم السعودي!

محاولات العسكر:

كانت إسرائيل دائمة الشكوى من أنها لم تتمكن من تحقيق أمنيتها في التطبيع الشعبي، بل إن التطبيع الرسمي أيضا لم يمتد إلى باقي مؤسسات الدولة المصرية في عهد مبارك. فإذا كانت وزارة الزراعة مارست التطبيع بلا حدود، فإن وزارة الثقافة أعلنت رفضها له، فلم يكن من المقبول أن تطبع مع المثقفين، وتتبنى خطة إدخالهم حظيرة الوزارة، ثم تمارس التطبيع مع إسرائيل!

والمثقفون في مصر على خلافهم وقربهم وبعدهم من النظام الحاكم، إلا أنهم يجمعون على رفض التطبيع، فالقضية الفلسطينية توحدهم. وكانت هذه قسمة مبارك في ما يملك، ولم تؤاخذه إسرائيل في ما لا يملك، وإن ظلت تحلم بأن يأتي اليوم الذي يحدث فيه التطبيع الشعبي بين البلدين. وهناك خطوات قام بها مثقفون في هذه الاتجاه، ومن لطفي الخولي، إلى علي سالم، انتهت جميعها إلى نبذ المجتمع لهم. ولم ينه هذا الحلم الإسرائيلي، فلما سقط مبارك، سعى العسكر للتقرب لإسرائيل من هذا الجانب!

في فترة حكم المجلس العسكري، فوجئ الرأي العام في مصر بظهور المفتي السابق "علي جمعة" في القدس المحتلة، ولأنها كانت فترة فوضى، فلم يقف الناس كثيراً عند هذا الخروج السافر على الإجماع الوطني؛ المتمثل في رفض التطبيع مع إسرائيل، ومنه السفر إلى فلسطين ما دامت تحت الاحتلال، وهو القرار الذي اتخذته النقابات والأحزاب، رداً على زيارة السادات للقدس. وتوحدت الكنيسة مع الأزهر، وأعلن البابا شنودة أنه لن يزور القدس إلا ويده في يد شيخ الأزهر.

وفي فترة حكم السيسي، حدثت واقعتان على درجة كبيرة من الأهمية، لتمييع قضية التطبيع، وتمهيد الأرض للتطبيع الشعبي. فقد زار البابا الجديد "تواضروس" الأرض المحتلة بحجة تشييع جنازة الأنبا أبراهام مطران القدس والشرق الأدنى، وفي مواجهة الرفض لهذه الزيارة، قال البابا إنه هنا من منطلق إنساني وليس سياسيا، وهو يدرك أن قرار المنع الذي اتخذه البابا شنودة هو على الإطلاق، وسواء من باب ديني أو من أي باب آخر!

كان البابا في مهمة سياسية للقفز على الإجماع الوطني برفض التطبيع، وبهدف تمييع معناه، فيصبح من جديد بحاجة إلى ضبط، وندخل في جدل سينتهي حتما إلى الفتنة، ومن منطلق الذين طالبوا بتحديد ما هي البقرة لأن البقر تشابه عليهم. وفي زمن الفتنة، يكون البابا ومن قبله الشيخ علي جمعة، قد سهلا مهمة السيسي في تحقيق الآمال العريضة للقادة الإسرائيليين!

وفد صحفي:

وفي هذه الفترة، انطلقت مجموعة من الصحفيين المصريين من بينها عضوان بمجلس النقابة، إلى رام الله، ومنها للقدس، بحجة أن ما يسمى باتحاد الصحفيين العرب قد قرر عقد دورته في فلسطين مساندة منه للقضية، ولم نسمع عن دورة عقدت، أو أن صحفيين آخرين من الدول العربية قد سافروا، وكان الجنين في بطن أمه يعلم أنها مهمة أمنية لصالح الحاكم العسكري، الذي يستمد شرعيته من تل أبيب، وكما كتب عماد جاد في جريدة "الوطن": "نعترف بأن إسرائيل لعبت دورا في دعم ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو". فهل تصبح هذه ثورة للشعب المصري مع دعم إسرائيل لها؟!

إن وجود السيسي على رأس الدولة المصرية، هو النتيجة المهمة لثورة الثلاثين من يونيو، ومن هنا يمكن تفهم زيارة الوفد الصحفي، رغم قرارات الجمعية العمومية المتتالية لنقابة الصحفيين المصريين بعدم التطبيع مع إسرائيل، واعتبار السفر إلى الأراضي المحتلة من التطبيع المنهى عنه وطنياً، ورغم وجود الناصري ضياء رشوان نقيبا للصحفيين، وهو من بنى سمعته السياسية في رفضه للتطبيع؛ على نحو كاشف أنه كان يدرك ماذا يفعل عندما يسمح بسفر الوفد الذي ترأسه اثنان من أعضاء مجلس النقابة. وفي دورات سابقة كان النقيب فيها حكوميا (إبراهيم نافع، أو مكرم محمد أحمد) أحيل صحفيون مطبعون للتحقيق وللتأديب، واتخذت ضدهم إجراءات عقابية، وفي عهد مبارك!

لقد فشلت المحاولة، وفي الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين في آذار/ مارس الماضي، تم تجديد قرار رفض التطبيع مرة أخرى!

التطوع السعودي الإماراتي

وإزاء هذا التعثر من الجانب المصري في تمرير المهمة، تطوعت السعودية والإمارات للقيام بالمهمة، فبدا نشطاء من البلدين يمهدون للجريمة، ولم يكن أحد ينطلي عليه أن هؤلاء النشطاء يتحركون بشكل شخصي، وهم في كنف أنظمة قدمت مواطنين للمحاكمة بعد سجنهم والتنكيل بهم لأنهم كانوا ضد حصار قطر، فكيف يمكن لنا قبول الدعوة للتطبيع ما لم يكن هناك توجيه من أولي الأمر منهم؟ فالأمر "مناولة" لا "مقاولة"!

وقد انطلق "الوفد" إياه، الذي لم نعرف منه سوى الشخص إياه، للصلاة في المسجد الأقصى، وقد حرص كبيرهم على ارتداء ملابسه الخليجية، وهو يجهر بالمعصية، ظناً منه أن الزيارة ستنجح، وأن صوره بهذه الملابس ستمثل دعاية تضيف للحاكم وليس للشخص، ولولي العهد الذي سمح بهذه الزيارة، بيد أن المقدسيين كانوا له بالمرصاد، فأُهين هناك إهانة بالغة، وولى هارباً، لا يقوى على الوقوف والنقاش. إنه كان في مهمة المرور للمسجد الأقصى، ولا يملك القدرة على الدفاع عن فكرته، وكانت الصورة الأكثر بلاغة هي هذا الطفل المقدسي الذي بصق عليه، فكأنه عبر عن الأمة كلها بما فعل.

ولم تقتصر الإهانة على الجانب الفلسطيني، فقد أهانه الإسرائيليون أيضا، وقد شاهدنا هذه الفنانة الإسرائيلية وهي تقول في برنامج تلفزيوني إنه جاء بحثا عن اليهوديات، من خلال استخدامه تطبيقا على الإنترنت خاصا بذلك!

وبمواجهة هذه الإهانة المزدوجة، اختفى الوفد المرافق، فلما نسمع له ذكرا، فلم يمكنه أن يتباهى بالجريمة التي أقدم عليها.

لقد فشلت المهمة، فلتعد من جديد: "مقاولة" لا "مناولة"!

أضف تعليقك