بقلم: أبوالعزايم عبدالحميد
انتهى يوم الأضحى انتهى يوم العيد الكبير وبدأت أيام التشريق الثلاثة أيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة وهي أيام أكل وشرب وذكر وشكر لله وهي المقصودة في قوله تعالي " وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) البقرة ولقد كانت لنا فيها ذكريات جميلة فمناسك الحج تنتهي عند اليوم العاشر إذ تكتمل جميعها في يوم النحر ففي يوم النحر يرمي الحاج جمرة العقبة الكبرى ويطوف طواف الركن ويسعى سعي الركن ويحلق ويقصر ويذبح هديه ويتحلل من احرامه وبهذا يكون قد اكتمل نسكه ثم يذهب الى مني لقضاء أيام التشريق الثلاثة لا عمل فيها سوى الأكل والشرب والذكر والشكر ورمي ثلاث جمرات كل يوم ويجوز أن يوكل غيره بها ويحق له الاكتفاء بيومين إن كان متعجلا أو يكمل الثلاثة أيام ا ن أراد .
أما أيام مني فما أجملها وقد عشت فيها معاني جميلة ما زالت تجدد كل ما هبت علينا رياح تلك الأيام ولن أقف طويلا عند سبب تسميتها بالتشريق وأيا ما كان سبب التسمية إلا أن الاسم ذاته مريح للنفس فالحروف الشين والراء والقاف تستحضر الشروق والشروق معني جميل يفيض على النفس بالأمل والنشاط والتفاؤل بيوم جديد وهو اسم محبب الى النفوس والبعض يسمي أبنائه به والمكان أيضا اسمه جميل مني من المني والأماني وهذه المعاني كلها تتبادر إذا ذكرت أيام التشريق وإذا ذكرت مني وكانك تستقبل عهدا حديدا يحقق لك امنياتك
أيام التشريق أيام رائعة تمثل إجازة ممتعة بعد عمل شاق فهي بمثابة التمتع بالراحة والاستجمام بعد أداء المناسك بما فيها من مشقة بدنية ونفسية ففضلا عن المشقة البدنية التي يلقاها الحاج في الوقوف بعرفة والطواف والسعي وأداء باقي المناسك فان الأعصاب تكون مشدودة والنفوس تكون حذرة خشية الوقوع في أي تجاوز أوخطا قد يفسد عليه حجه او يرتب في ذمته فدية فتراه حريصا كل الحرص حذرا طول الوقت من أن ياخذ شعرة أو يقطع شجرة أو يتلفظ بلفظة خارجة أو يقع في جدال حتى لو كان محقا ا أو ان يمس طيبا الى غير ذلك من محظورات الإحرام فإذا ما أتم المرء هذه الأعمال على وجهها كان البدن المتعب بحاجة الى الراحة والنفس المجهدة الحذرة محتاجة الى السكون فكانت ايام التشريق وتخيل لو انك تعمل عند احد السلاطين بعمل شاق وقد أتممته وحاز قبوله فأراد أن يكافئك فأرسلك الى احد منتجعاته السياحية لتقضي وقت الإجازة على حسابه فماذا تتخيل أن يقدم لك ؟ فماذا لو كان هو السلطان الأعظم وملك والملوك وقد أتممت نسكك فأراد أن يروح عنك فدعاك الى زيارته في بيته وبعد أن زرته في بيته دعاك الى احد منتجعاته الجميلة لتقضي ايام الراحة والاستجمام ثلاثة أيام ستنسي ما وجدته من تعب تقضيها في الأكل والشرب والذكر والشكر وفوق ذلك هو راض عنك يالها من أيام جميلة في مكان جميل في ضيافة رب كبير راضي غير غضبان
إن الحج وأيام منى تلخص حياة المؤمن تعب وابتلاء وحذر وحرمان من الشهوات يعقبه راحة أبدية ومتع لانهائية وقبل ذلك وبعده رضا من رب البرية " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) يونس وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) فاطر . فإحرام المؤمن عما حرم الله عليه من الشهوات, فإذا صبر في مدة سفره على إحرامه, وكف في مدة عمره عن الهوى, فإذا انتهى سفر عمره, ووصل إلى منى المُنى فقد قضى تفثه ووفى نذره, فصارت أيامه كلها كأيام منى, أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ,وصار في ضيافة الله عز وجل في جواره أبد الأبد, ولهذا يقال لأهل الجنة: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الطور:19) (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) (الحاقة:24).
حقا لقد كانت أيام جميلة عندما نشعر أن ربنا قد رضي عنا وأكرمنا بحج بيته ودعانا لكي نقضي الراحة والمتعة في مني لقد ذهب عنا كل تعب لقيناه في أيام الحج ولم نعد نذكر منه سوى الذكري الجميلة وهكذا ستكون الآخرة سينسي المؤمن ما لقيه من تعب وبلاء في الدنيا ايا كان حجمه او مقداره عندما يدخل أبواب الجنة ويقال له لا تعب اليوم ولا نصب ولا حرمان بل حياة في جوار رب راضي غير غضبان ." لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) الحجر. واشوقاه الى منى ....واشوقاه الى الجنة.
أضف تعليقك