بقلم: سليم عزوز
ما الذي يجبر أصحاب مشروع إطلاق قناة تلفزيونية، إلى دفع رشوة لمسئول كبير في الدولة المصرية، لتمكينهم من ذلك؟! الصدفة وحدها هي التي قادت إلى القبض على الرجل الثاني في المجلس الأعلى للإعلام، فليس صحيحا ما نشر في البداية من أن الرقابة الإدارية كانت تتابعه منذ فترة طويلة وأنها ألقت القبض عليه في مكتبه، والصحيح أن قضية رشوة أخرى هي التي قادت إليه، بعد القبض على قاض يتقاضى رشاوى من رجال الأعمال مقابل إصدار أحكام لصالحهم، وقد حصل على ثلاثة ملايين جنيه مقابل إصدار حكم، هو الذي قبض عليه فيه متلبساً، ثم قادت التحقيقات إلى الرجل الثاني بالمجلس المذكور، الذي هو بديل لوزارة الإعلام، فالراشي هنا وهناك واحد، وكان يمكن للأمور أن تجري في أعنتها فيدار الإعلام بالرشاوى، لولا قضية القاضي الذي لم تكن هي القضية الأولى التي يتقاضى فيها أموالاً مقابل الحكم، تماماً كما ليس من المعقول أن تكون رشوة الرجل الثاني بمجلس الإعلام هي المرة الأولى.
بالقانون، فإن المقبوض عليه سيحصل على البراءة، ومن هنا نستطيع القول: مبارك مقدما، ذلك بأن قضية الرشوة في التشريع المصري لا تكتمل أركانها إلا بالتلبس، وهو ما لم يتم في قضية المسئول الإعلامي الذي علم بذكر اسمه في التحقيقات، منذ أكثر من عشرين يوماً قضاها باكياً في مكتبه، في انتظار مصيره، ولم ينس خلالها أن يكتب مقالاً يُذكر به بأنه ابن السلطة، حيث أهان المرشد العام للإخوان في المقال الذي قال إنه هرب من اعتصام «رابعة» في مثل هذه الأيام مرتدياً النقاب، وأن المعتصمين كانوا يمارسون نكاح الجهاد في اعتصامهم، وهي الدعاية التي تبناها إعلام الانقلاب العسكري بهدف التشويه ومنع الناس من التواجد فيه، لاسيما النساء اللاتي كنّ ملح الأرض في هذا الاعتصام، وهو الاتهام الذي تحول إلى لعنة أصابت كل من أطلقه في حملة الإبادة الإعلامية، وكأن «رابعة» كانت بقعة مقدسة في هذا العالم!
«أهل الله»
بنظرة متصوف متقاعد، فإن «رابعة» كانت تجمعاً لأهل الله، فهي لم تكن المنصة وخطباءها، ولم تكن الإخوان وتعاليهم علينا في سنة حكمهم. لكن، هناك أناس طيبون شدوا الرحال إليها من محافظات مصر البعيدة، نُصرة للمظلوم، ولو بمجرد الحضور، وقد قضوا شهر رمضان هناك في «عز الحر»، وكان إفطارهم على الخبز الناشف الذي اصطحبوه معهم من بيوتهم في مهمة «الخلاص الفردي»، فلم يكونوا من سكان القاهرة، الذين يذهبون إلى بيوتهم ثم يعودون ليلاً بعد تناول إفطارهم، وإن لم يكن كل المشاركين في الاعتصام من القاهرة كانوا يفطرون في بيوتهم!
و»أهل الله» هؤلاء هم خارج حسابات الثورة، فلم يشاركوا فيها ولم تشغلهم ولم تنشغل بهم، وقد أدهشني أن كثيرين ممن ذهبوا إلى «رابعة» لم يكونوا حتى من مؤيدي الدكتور محمد مرسي في فترة حكمه، لكنه الإحساس بالظلم الواقع على واحد منهم، فلم يبتعد مرسي بتعليمه الراقي عنهم، فقد استمر منهم وبهم في زمن كان الالتحاق بالطبقة يتم بالوظيفة، فلم يكن من بين من أنكروا أن يكون هذا الفلاح هو رئيس مصر، ابن باشا، أو وريث لإقطاعي، أو حتى من أصحاب الوجاهة الاجتماعية، ومن عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك، لا يوجد أحد منهم من واحدة من العائلات العريقة في مصر، لكن حركة ضباط الجيش 1952 قضت على الباشوات وأنتجت السوبر باشوات، بحسب المؤرخ الكبير الراحل «حسين مؤنس». والصعود الطبقي تم على أساس الوظيفة، وليس بالسلالة.
يوجد جانب مرتبط بفكرة الصراع الطبقي لم يتم الانتباه له في العداء للرئيس محمد مرسي، وإن جاء من طبقته الاجتماعية نفسها، التي تخلصت بالوظيفة منها، وظل هو مع مكانته العلمية ملتصقاً بها. فكان الهجوم عليه من منطلق «أنى يكون له الملك علينا»، فلما أسقطوه تداعى له «أهل الله» الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض، ولسان حالهم هو ما أنشده ابن الفارض: «أنا ما حيلتي والعجز غاية قوتي». وقد رأوا الهول في يوم الفض، ولعلهم ظنوا ساعاتها أنها أهوال يوم القيامة.
السلاح الكيميائي:
لم يكن نكاح الجهاد هو الاتهام الوحيد الذي وجهه الإعلام إلى اعتصام رابعة العدوية، فجريدة الأخبار خرجت بمانشيت بلون الدم يفيد بوجود «سلاح كيماوي» في «رابعة»، إي وربي «سلاح الكيميائي»، ولم يكن هذا تغييراً قد طرأ على «ترويسة» الأخبار، فقد صدرت بهذا العنوان، برئاسة مجلس إدارة «أحمد سامح»، ورئاسة تحرير «محمد حسن البنا»، وهما من اختيار حكم الإخوان، لكن سامح الله القوم، فقد كانوا يندفعون في اتجاه «أصحاب القامات المنخفضة» لأنهم الأسهل في القيادة في زمن الرخاء، ولم يضعوا في اعتبارهم مرحلة الشدة، فقد بنوا حساباتهم على أنهم لن يهزموا بعد اليوم من قلة، فمعهم الأغلبية في الشارع، ومعهم وزير دفاع بنكهة الثورة، أول حرف من اسمه: «عبد الفتاح السيسي»، الذي أخذ منهم سياسة الاحتفاء بأصحاب القامات المنخفضة، وطور فيها إلى اختيار من قاماتهم متناهية الانخفاض، فكان الرجل الثاني في منظومة الإعلام مجرد موظف صغير في إعلام مبارك عندما انخفض المستوى من صفوت الشريف إلى أنس الفقي، ويتردد أن المتهم كان سكرتيرا لوزير الإعلام في عهد الإخوان صلاح عبد المقصود. وهبط بحكم هبوط المرحلة كلها مستوى الفساد، فيكون الاتهام هو حصول مسئول كبير على رشوة مقابل تمرير قناة فضائية!
والمتهم بريء ولا شك حتى تثبت إدانته، لكن البراءة قادمة بغض النظر عن صحة الواقعة؛ لأمر مرتبط بالإجراءات، ليس فقط لأن جريمة الرشوة لا تكتمل إلا بالتلبس، وهو لم يتم القبض عليه متلبساً، ولكن لسبب آخر إضافة إلى هذا، وهو ما سيصول فيه المحامون ويجولون، إذا أحيلت القضية إلى المحاكمة ولم يتم حفظها في النيابة، وهو أن جريمة الرشوة لا تقع إلا في حق الموظف الحكومي، والمجلس الأعلى للإعلام هيئة مستقلة، وأعضاؤه ليسوا موظفين لدى الحكومة، فهل لا يزال يحتفظ بوظيفته الإدارية السابقة في وزارة الإعلام بجانب عضويته لهذا المجلس؟!
موافقة الجهات الأمنية
ومهما يكن، فنعود إلى السؤال الذي طرحناه في البداية، وهو ما الذي يدفع صاحب مشروع لقناة فضائية بدفع رشوة مقابل الموافقة له عليها؟!
إن هذا يؤكد أن تأسيس وسائل الإعلام في مصر لا يتم الاحتكام فيه إلى القانون، فقد يتم استيفاء كل الشروط القانونية، ومع ذلك يرُفض الطلب، وهو أمر كان قائماً في تأسيس الصحف الخاصة قبل الثورة، فلا بد من الموافقة الأمنية، وهي شرط غير منصوص عليه في القانون، وكانت جهة الاعتراض دائماً هي مباحث أمن الدولة، وهو اعتراض أو موافقة تتم شفهياً، ولعل المرة الأولى التي اعترضت فيها المخابرات العامة على صحيفة كان الاعتراض على طلب تأسيس جريدة «الكرامة»، وعند الطعن على القرار السلبي للمجلس الأعلى للصحافة بعدم الموافقة على الترخيص للجريدة، وقع محامو الحكومة في خطأ (ربما كان مقصوداً لصالح جهات أخرى) عندما دفعوا بأن المخابرات العامة هي من رفضت، فقضت المحكمة بأن القانون لم يشترط موافقة الجهات الأمنية. ويعرف من تم تصعيده لموقع الرجل الثاني في المجلس الأعلى للإعلام مؤخراً كل هذه التفاصيل، باعتباره كان رجل الأمن في مجلس الصحافة، إذ كان موظفاً صغيراً به، وظل يترقى وظيفياً إلى أن خرج على المعاش في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، وقد استمر في موقعه بعد الثورة وفي عهد الإخوان، وكان يطمع أن يمد له، وربما لم يكن هناك مانع لدى الإخوان، فالرجل موظف مخلص لرؤسائه بغض النظر عن من يكونوا، لكنهم استشعروا الحرج، لاسيما مع القاعدة التي اعتمدوها بعدم المد للموظفين بعد وصولهم إلى سن التقاعد، ثم إن استمراره كان يؤخذ عليهم؛ فالصحفيون منهم يعرفون ما يعرفه غيرهم بأنه رجل الأمن طوال عمره!
بيد أنه كان مجرد موظف إداري، وفي عهد السيسي تم اختياره عضواً في المجلس الأعلى للإعلام، ليصبح الآن هو الرجل الثاني في المنظومة، وفي وظيفة نائب وزير، لنقف على هبوط الدولة المصري في «الفرز الثالث من حكم العسكر»، انطلاقاً من ثقافة تجار السراميك! وعندما يهبط مستوى الاختيار إلى «الفرز الثالث»، يهبط مستوى الأداء، فيكون المسؤول الكبير هو من يقبل رشاوى، هي «فكه» في زمن «المعلمين الكبار» في عهد مبارك، فلم تكن تدفع رشاوى في عهد المخلوع مقابل الحصول على ترخيص لصحيفة أو لقناة تلفزيونية!
وبعيداً عن هذا، فإن المرحلة الوحيدة في تاريخ الإعلام الخاص في مصر، التي كان التقيد فيها بالقانون وحسب، هي مرحلة ما بعد الثورة وإلى نهاية عهد الرئيس محمد مرسي، بعد هذا عادت «ريمة لعادتها القديمة» وبهبوط مستوى الاختيار، يصبح الأمر بحاجة إلى دفع رشوة مقابل الحصول على موافقة بإطلاق قناة تلفزيونية، والسؤال: ألا يزال في بلاد القمع معنى لمثل هذا المشروع، يستدعي دفع رشوة من أجله؟!
أرض – جو
عادت ليلي الشيخلي إلى الجزيرة.. عود حميد.. «من خرج من داره قل مقداره».
غادرت ليليان داوود تلفزيون العربي.. فهل تعود من جديد إلى القاهرة التي طردت منها؟! يبدو لي أن العاملين في المكياج في بعض القنوات التلفزيونية أصحاب خبرة في « عمال النقاشة»، وترميم البيوت القديمة، فأن تظهر مذيعة على الشاشة وعلى وجهها كيلو بودرة، يمكن قبوله على مضض، أما أن يظهر مذيع وقد أعطوه سكينة معجون بلغة عمال النقاشة والترميم، فإن هذا مزعج للمشاهد للغاية.
يبدو أن نظام السيسي استعان بالعاملين في المكياج في هذه الفضائيات في مهمة ترميم قصر البارون التاريخي والأثري، فلطخوه بـ «البويه» حتى صار مثل دوار العمدة، ولم يبق إلا أن يكتب عليه ما كان يكتب على بيوت الحجاج قديماً: حج بيت الله الحرام وزار قبر النبي عليه الصلاة والسلام.. الحاج عبد الفتاح السيسي. مع رسم طائرة لتأكيد أن الحاج سافر بالطائرة ولم يسافر عن طريق البر “on foot”، الواحد لغته الإنجليزية في تطور، فاللهم لا حسد، فلا يحسد المال إلا أصحابه.
أضف تعليقك