• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
منذ ثانيتين

بقلم: سليم عزوز

لم تجتهد مذيعة العسكر في مصر عندما خصصت حلقة عن السمنة هاجمت فيها أصحاب الأوزان الثقيلة، فقد كانت على «درب الزعيم الخالد»، فلم تكن مبتدعة ولكنها متبعة، فمن سخر منهم كان «المفكر الضرورة» عبد الفتاح السيسي!

والمذكور لم يستهدفهم مرة واحدة، وإنما فعل هذا أكثر من مرة، على نحو كاشف بأنها ليست زلة لسان أو رأي عابر، ولكنها رؤية يريد فرضها على المجتمع، وقد كتبت أستاذة للأدب الفرنسي عنه من قبل مقالاً فخماً من دون خجل أو وجل، عنوانه: «السيسي مفكراً»، لتذكرنا بدراسة أكاديمية في كلية الإعلام جامعة القاهرة بعنوان: «السادات صحافياً»، وإذ أجيزت خطة البحث والسادات على قيد الحياة، فقد نوقشت وقد غادر دنيانا الفانية، ومُنح الباحث الدرجة العلمية، ثم انتهى أمرها عند هذا الحد.

والسادات عمل على أطراف الصحافة، فقد دفعت به حركة ضباط الأحرار لتولي موقع المدير العام لدار التحرير للطباعة والنشر، التي صدرت منها صحيفة «الجمهورية»، ومجلة «التحرير، وهو موقع إداري ولم ينغمس في العمل الصحافي مثل غيره من الضباط الذين عملوا بالصحافة وصارت مهنتهم الأساسية مثل اليوزباشي مصطفى بهجت بدوي، واليوزباشي أحمد حمروش. فتجربة السادات في الصحافة قريبة من تجربة الصاغ خالد محيي الدين، واليوزباشي أمين شاكر، كما أنها لم تكن عملاً بالتحرير الصحافي مثل تجربة اليوزباشي لطفي واكد الذي تولى رئاسة تحرير جريدة «الشعب».

بيد أن الباحث قرر أن السادات صحافي، وتواطأت الكلية على ذلك، ثم كان لا بد من حصوله على الدرجة العلمية، التي تمنح في الغالب على الجهد، وليست على النتيجة. ومهما يكن، فإن السادات عمل قريباً من الصحافة، في حين أن السيسي لم يقترب من رحاب الفكر البتة لكي تمكنه الدكتورة منى أبو سنة من الحصول على صفة «المفكر»، التي تنتظر حادثاً سعيداً بأن تصبح وزيرة للثقافة في القريب. كم أنا متآمر بذلك. في عهد مبارك، كان قد نما إلى علمي أن رئيس تحرير واحدة من صحف المعارضة، تم استقطابه، وسيتم تعيينه عضواً في مجلس الشورى، وأنه يقود حملة على الصحافة الصفراء، ثمناً لهذا التقارب، وكنا نعلم أن مثل هذه الحملات تستخدمها السلطة غطاء للتنكيل بالصحف الجادة، وقد بدأت المقال بعبارة: سيعين فلان الفلاني عضواً في مجلس الشورى، فلما اتصل شاكياً، سأله من تلقى اتصاله، إن المقال بدأ بخبر، وهو ما يهمه في عملية التقييم المهني للكاتب، لأن بقية المقال تدخل في باب وجهات النظر، فاعترف رئيس التحرير هذا بصحة الخبر. وعند صدور قرارات التعيين الخاصة بمجلس الشورى كانت المفاجأة هي استبعاده، ولم ينكر الرجل -رحمه الله- أن سبب هذا كان بسبب ما كتبته، إذ كنت أعرف كيف يفكر مبارك، الذي إذا أردت أن تبطل قراراً فانشره قبل صدوره، فإذا نشر أن هناك اتفاقاً على تغيير وزاري، لا يحدث، أو تكليف فلان بتشكيل الوزارة فإنه يسحب تكليفه السري، أو أن فلاناً هو الوزير القادم فلا يستوزر أبداً، وقد ضاعت كل آمال الدكتور أحمد عمر هاشم في تولي منصب وزير الأوقاف الذي حلم بها طويلاً، بسبب توقع الصحف أنه الوزير القادم مع أي أنباء ترشح عن تعديل وزاري.

«الدولة الحامل»

لا بأس، ستعين الدكتورة منى أبو سنة وزيرة للثقافة، ثمناً لمقالها «السيسي مفكراً»، مع أنه لم يثبت أنه قرأ كتاباً، أو قصيدة، أو رواية، أو مقالاً، وإن كانت نظرته لذاته هي نظرة أبو سنة نفسها له، وعندما تهكم على أصحاب الوزن الثقيل، وأعتبرهم عبئاً على الدولة، فلم يكن غريباً أن تأتي مذيعة تلفزيونية، فتكرر خطابه، ولم تزد عنه ولم تنقص، غير حديثها عن أن الذين يعانون من السمنة، رائحتهم كريهة. فحتى خطابها عن أنهم يمثلون عبئاً على الدولة، هو مأخوذ مما قاله عبد الفتاح السيسي، الذي ينظر للناس في اللقمة التي يأكلونها، والأكل الذي يطفحونه، والطفح الذي يظهر على أجسامهم!

ليس كل السمنة مرضاً، ولا كل النحافة صحة وعافية، وليس الجمال وحده في «العود الفرنساوي»، حيث «وسطك ولا وسط كمنجة وعودك مرسوم على السنجة»، بحسب الأغنية الشعبية الشهيرة، فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع!

ونفس نظرة «ريهام سعيد»، مذيعة العسكر، للدولة، مأخوذة من رؤية «المفكر عبد الفتاح السيسي»، الذي يرى في الدولة المصرية عند الحديث عنها أنها «المرأة المعيلة»، التي مات بعلها وترك في رقبتها نصف دستة من الأطفال، تشقى من أجلهم، فهو يطلب من المصريين أن «يخلوا بالهم منها»، ويعد بأنه لن يسمح لأحد أن يقترب منها، وأنها كانت على وشك أن تقع فاندفع ليسندها، وهو يرسم صورة لامرأة، في حافلة للنقل العام تقف وسط الزحام، وقد بلغ منها الإعياء مبلغه، فأوشكت على الوقوع، لولا أنها استندت إليه!

وتصوير الدولة على أنها «الأم المعيلة» في نص، و«السيدة الحامل» في نص آخر، ويمثل أبناؤها بسمنتهم عبئاً عليها وعلى إمكانياتها نظراً لكميات الأكل التي يأكلونها، هي مستقاة من خطاب السيسي، فجاءت مذيعة العسكر، لتكرره بعد عودتها للشاشة، باعتباره خطاب المرحلة.

وقد استغلت انتظار الناس لعودتها لتقول ذلك، إذ كانت قد انقطعت عن الشاشة وادعت أنها مريضة بمرض غريب ونادر، حيث يتساقط لحم وجهها، وقالت إن الطبيب أخذ من غضاريف أذنيها ليبني به لحم الوجه المتساقط، وهو ما أحدث اهتماماً في السيوشيال ميديا، بين متعاطف وشامت وطالب لأمثالها أن يتوبوا لله متاباً!

ليتبين أن كل هذا دعاية لاستدرار الاهتمام والعطف، بعد أن انتهت كمذيعة، وحتى تتمكن من أن تقول رسالتها في تبني خطاب السيسي عن السمنة، والناس السمينة التي تأكل مع العميان، بما يرهق ميزانية «الدولة المعيلة»، ولم يجد المجلس الأعلى للإعلام نفسه معنياً بالتحقيق في نشر هذه الأكاذيب، وعملية التعاطف التي تقوم بها مذيعة لابتزاز مشاعر الناس، لكنه تدخل ليوقفها عن العمل لمدة عام، مع أنها لم تخرج عن خطاب الأستاذ المفكر، ذلك بأن المجلس اندفع لهذا نظراً لثورة الغضب عبر الإعلام الجديد لهذه الإهانة التي لحقت بأعداد كبيرة من المصريين، ولم تكن هنا تتطاول على الفقراء، لكنها داست على سلك مكشوف، ذلك بأن من البدينات من هن ينتمين للطبقة العليا، وإذا كان من الطبيعي ألا يتم إعلان الغضب على السيسي، لأسباب مرتبطة بجبروت الحكم، فقد كانت الثورة ضد «ريهام سعيد» وهي وإن بدت موجهة ضد مذيعة، فإنها تندد بالخطاب الأصلي ذاته، فكان تحرك المجلس الأعلى للإعلام هو لامتصاص الغضب، وقوة التعبير عنه، لأن هناك من بدأ في التذكير بأن «ريهام سعيد» هي «مقلدة» للمرجعية العظمى، آية الله «مفكر» اللحظة وكل لحظة!

قناة «الحياة» من الإمارات إلى العسكر

وليس مضموناً أن يكون القرار بالمنع قد تم تكييفه قانونياً بشكل منضبط، فقد يترك به ثغرات يمكن النفاذ منها والطعن فيه، والعودة قريباً بحكم قضائي، لا يملك حياله المجلس الأعلى للإعلام سوى الانصياع احتراماً لحجيته وباعتبارنا في «دولة القانون»، فريهام سعيد هي مذيعة المرحلة، وهي التي تعبر عنها، وهي مسنودة من أولى الأمر منا، وفي كل مرة تضطر القناة التي تعمل بها إلى إيقافها، لتفادي حالة من الغضب، تظهر في قناة أخرى، وهي الآن تعمل في قناة مملوكة للأجهزة الأمنية ضمن باقة القنوات التي تم شراؤها من الملاك، وكانت فرصة أن نعلم أن «الحياة» مملوكة لدولة العربية المتحدة، وأن المالك المعلن هو مجرد «وكيل أعمال» في القاهرة، وهذا وضح أموراً كثيرة. فالحياة عندما أطلقت كمشروع كان المعلن أن المالك هو السيد البدوي شحاتة، القيادي بحزب الوفد، وأذكر أن صحافية متخصصة في الاقتصاد، قالت لي في دهشة من أين لسيد البدوي بهذه الأموال، التي يطلق بها فضائية كبيرة، وليس معروفاً في الأوساط الاقتصادية بأنه من رجال الأعمال الكبار؟! كان المعلن أن «الحياة» هي لمنافسة قناة «الجزيرة»، لنكتشف الآن أن الإمارات اخترقت الأجواء المصرية من أجل إطلاق قناة لإسقاط «الجزيرة»، بعد فشل مشروعات أخرى انطلقت من دبي، مثل «العربية» وبالنفخ في قنوات أخرى، وبعد الزخم الدعائي انتبه صفوت الشريف وكان قد غادر موقع وزير الإعلام، ليصبح رئيساً لمجلس الشورى، لكنه تدخل وأعلن أن قرار منافسة الجزيرة تتخذه الدولة، وليس القطاع الخاص، وأوقف الترخيص قبل أن يتدخل صحافيان معروفان بالاسم كوسطاء لديه، فحصلا على موافقته ولكن كقناة منوعات، ومع هذا ظل المالك الأصلي مستتراً، ودخل مالك القناة الصوري مجال صناعة الدواء، ليتبن أيضاً أنه كان «وكيل أعمال» للإماراتيين، ويبدو أن كثيراً من الأوراق تكشفت للعسكر في التخطيط للانقلاب العسكري برعاية إماراتية، فكان القرار هو تجريد الإماراتيين من «الحياة»، فالسيسي وباعتباره مارس خيانة كل يد امتدت له بالإحسان، لا يأمن مكر الإماراتيين! والملاحظة المهمة هنا أن إدارة قناة «الحياة»، لم يُسمع لها صوت في الأزمة، فلم تبادر بوقف البرنامج، أو التحقيق مع المذيعة، لأنها في الأساس لم تخطئ، وكانت تنفذ أجندة بالتعاطي مع أفكار السيسي على أنها كلام مهم، وإن كانت المشكلة أن سوقيتها كانت سبباً في هذه الثورة الهائلة ضدها، عند حديثها عن رائحة البدينات، مع أنها كانت بدينة، وكأن ذاتها تتحدث عن صفاتها. وهي ليست محظوظة في ذلك، فكلما تحدثت عن شيء، تم إبراز الدليل ضدها. فهاجمت البدينات، فتم نشر صور لها وهي بدينة.. وهاجمت النساء اللاتي يتعاطين الشيشة فضبطتها الكاميرا وهي تتعاطى. بيد أن «ريهام سعيد» ليست هي الموضوع، فهي تعبر عن سلطة ومرحلة، وهي مدفوعة للانتقال بالسيسي إلى مرحلة «السيسي مفكراً»، ولهذا ستعود للشاشة قريباً. كما سيقع الاختيار على «منى أبو سنة» وزيرة في التشكيل الوزاري القادم.

ولكل مرحلة إعلاميوها.. كان أحمد سعيد تعبيراً عن العهد الناصري، وكانت «همت مصطفى» المذيعة المفضلة للسادات حيث يخاطبها بـ «همت يا بنتي»، ولأن المصريين لم يستوعبوا الأمر فاعتبروا أن الخطاب هو للتغطية على زواج غير معلن، ولم يكن هذا صحيحاً. وكان «مفيد فوزي» هو مذيع مرحلة مبارك! فصارت «ريهام سعيد» و»أحمد موسى»، هما عنوان المرحلة الحالية، لذا، فهما مستمران ليكونا الوارث من هذه المرحلة.

أضف تعليقك