بقلم: سليم عزوز
بدت فيديوهات المقاول والفنان محمد علي، كما لو كانت زلزالا، له من التوابع ما يتفوق في آثاره ومخلفاته على قوة الزلزال الأول، فهز أركان السلطة الحاكمة في مصر، بعد أن تمكن من تعريتها تماما ومن ورقة التوت التي تستر العورات!
وقد وجدها البعض من الإعلاميين والصحفيين رمية بغير رام، ليطالبوا بحرية الإعلام، باعتبارها ستمكنهم من الرد على المقاول، لاسيما من أولئك الذين ينتظرون فرصتهم للصعود الطبقي، ومن يقدمون أنفسهم ليكونوا خدماً في البيوت، وعلى أساس أن الخدم الحاليين لم يستطيعوا ذلك، وهؤلاء ينتهزون الفرص، وضعف موقف السلطة في كل مرة، ليقوموا بالعزف على ذات الأسطوانة المشروخة، فماذا يمكن أن يقولوا إذا أخذوا فرصتهم؟!
وعندما انتقلت الصحافة، من صاحبة الجلالة إلى خادمة في البلاط، فإن حريتها تعني لدى القوم، التمكين من الرد، فلم يعد دورها البحث عن الحقيقة وإنما في الدفاع عن الحاكم، ومن هنا انطلقوا ينتهزون الفرصة، ليكشفوا عن مواهبهم الجبارة، مع أنه ووفق هذه المهمة الجديدة للصحافة والإعلام، لا يوجد شيء يمكن أن يجابه به خطاب المقاول المذكور.
ومبلغ العلم أن الرد لا يحتاج إلى السماح السلطوي للمتطوعين، في زمن صارت فيه منصات التواصل الاجتماعي أداة في يد الجميع، فإذا لم تتوفر لصاحب الغرض الفرصة في الإعلام القائم للرد، فإن الفرصة متاحة له ليقوم بذلك عبر السيوشيال ميديا، إذن فقد سقط مبرر الصمت، وهناك من تطوعوا بالفعل وردوا على المقاول محمد علي، فأضحكت ردودهم الثكالى، لأن طلب التمكين من الرد، يعني أن الحصول على المعلومات الحقيقية، يمكن أن يخرس القائل، وهذا ليس صحيحا!
لقد تحدث محمد علي عن الفندق الذي قال إن السيسي وافق على بنائه بدون دراسة، ودون الحاجة إليه، مجاملة لجنرال يعمل في المخابرات الحربية، وأنه تكلف ملياري جنيه، في بلد يطلب الحاكم من الناس الجوع والتوقف عن الأكل والشرب، باعتبار التخمة ضارة جداً بالصحة، فماذا في إمكان الإعلام الحر أن يفعل لتبديد هذا الاتهام؟!
لقد تطوع أحد الصحفيين من أهل الموالاة، فقدم بثاً حياً نفى فيه تماماً وجود هذا الفندق، في المنطقة المشار إليها، ولا فندق يحمل هذا الاسم «تريومف»، لكن الإنكار هنا لا قيمة له، فالفيديوهات الخاصة بافتتاح الفندق، لا تزال منتشرة على «اليوتيوب»، فتطوع آخر ليقول إنه فندق لم يراد له تحقيق أرباح، فهو خاص بالجيش، لاستقبال ضيوفه من العسكريين الأجانب، وكأن الوفود العسكرية لا تتوقف عن زيارة مصر، وكأنه لا يوجد فنادق أخرى تابعة للقوات المسلحة تصلح لاستقبال الضيوف العسكريين، ونعلم بوجود فندق «الماسة»، وكأن الوفود العسكرية محرم عليها الإقامة في الفنادق المدنية، وكأنها وفود كبيرة تحتاج إلى فندق من بابه، لعدم وجود غرف كافية في الفنادق الأخرى؟!.. وكأن مصر لم تعرف من قبل استقبال ضيوف عسكريين أجانب، فكيف كان حال استضافتهم قبل تشييد فندق «تريومف» وما تكلفه من أموال الشعب المصري، الذي يتسول منه عبد الفتاح السيسي «الفكة»، ويطلب منه أن يتبرع لبلده ولو بجنيه؟!
لقد دخلت على موقع بوكينج وقمت بالحجز ليلة للإقامة في الفندق المذكور، فهو معروض للناس، وليس للعسكريين، وللأجانب أيضا وليس قاصرا على المصريين، وخريطة معلنة ومنشورة على الموقع، فكيف يكون مؤسسة عسكرية حيث الاقتراب أو التصوير؟
وما هو الرد المناسب الذي يمكن التطوع به، إذ استبدل عبد الفتاح خدما بخدم، على ما ذكره من سيطرة الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة على مقدرات البلد، فتؤول إليها ميزانيات المحافظات والوزارات المختلفة، لتكون هي مقاول مصر الكبير، في بلد توجد فيه شركة المقاولون العرب، صاحبة الأيادي البيضاء على المنطقة بأكملها؟
لقد كان الرد الدائم على طلب وقف توغل الجيش في الحياة المدنية، والمزاحمة في مجال الاستثمار، بأن الجيش يتمتع بالجدية والإنجاز، وكان الرد بأن مشروعات الجيش معفاة من الضرائب، وأن استيرادهم للخامات يتم بدون دفع الجمارك، ثم إن عمالتهم رخيصة لاتباع سياسة التجنيد الإجباري، بما يخل بمبدأ التنافس، ليتبين أن الأمر ليس كذلك، وأن الهيئة الهندسية ليست أكثر من لافتة، وأن من يقوم بالتنفيذ هي شركات مقاولات، تعمل من الباطن، بما يعنيه ذلك من زيادة تكلفة المشروعات، لأن هناك في حدود 25 إلى 30 بالمائة يحصل عليها المقاول المعلن، الذي يحدد الأولويات لمؤسسات الدولة، والذي لا تملك جهة بطبيعة الحال، أن ترفض استلام المشروعات، لتنهار إحدى الصوامع بعد استلام وزارة التموين لها، وينهار أحد الجسور عندما لامسته الأمطار بعد افتتاحه مباشرة.
فماذا يمكن أن يكون الرد على ما أثاره المقاول محمد علي؟ وقد تطوع أحدهم بالرد فلم يزد شيئاً عن الرد المتواتر والمحفوظ، من أن الجيش يتسم أدواؤه بالجدية والإنجاز، مع أنه لا ينفذ هو بذاته المشروعات، وهل من المفيد في دولة بحجم مصر، أن تكون الجهة الوحيدة الجادة والمنجزة، هي الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة.. فكيف كان الحال في مصر، قبل هذه المرحلة وعمرها لا يزيد عن ست سنوات فقط!
لقد روى المقاول محمد علي قصص القصور الرئاسية التي أنشئت للسيسي وأركان حكمه، حيث قامت شركته «أملاك» بتنفيذ بعضها، كما قامت شركات أخرى بتنفيذ البعض الآخر، وقد تكلفت المليارات، وبشكل غير مسبوق في التاريخ المصري الحديث، فالقصور الرئاسية ورثتها مصر من عصور ما قبل حركة الضباط الأحرار؟ فكيف يمكن تبرير هذا السفه، والتجرؤ على المال العام، وإهدار موارد الدولة بهذا الشكل المجنون، في الوقت الذي يطالب فيه المصريون بأن يقتنعوا بأن بلدهم فقير، وأن يتقبلوا عملية الإفقار بصدر رحب، ورفع الدعم عن رغيف الخبز وعن المواصلات العامة!
فكيف يمكن لإعلامي أن يرد على هذا العبث، هل ينفي وجود هذه القصور، كما حاول صاحبنا في موضوع فندق «تريومف»؟.. أم يؤكد حاجة الرئيس الأسطورة إليها، باعتباره ينافس الفراعنة فيما شيدوا من قصور وما تركوا من أثار؟!
لقد حاول الإعلام أن يأخذ الناس بعيداً، مرة بافتعال قضية جنسية لنجل الرئيس مرسي ولم يراع حرمة الموت وجلاله، وقد قبرت في التو واللحظة، ومرة بالتبشير عن لقاء مع من وصفوه بالقيادي الإخواني المنشق، فلم يهتم بذلك أحد، وكان هدفهم لفت الأنظار بعيداً.
إن أنظمة سابقة عرفت سياسة «كبش الفداء»، وقد يصل الأمر إلى إقالة الحكومة، وبعد هزيمة يونيو 1967، هتفت عبد الناصر: «اليوم سقطت دولة المخابرات»، لكن المشكلة في حالة السيسي أنه المتورط وليست دولته، فماذا يمكن أن يقول الإعلام الحر، سوى كلمة من أربعة حروف، لطي الملف والانتقال لجدول الأعمال، وهي: ارحل؟!
أضف تعليقك