أ . د جمال عبد الستار
قبلة المسلمين ليست هي فقط جهة الصلاة ووجهة المصلين إنما قبلة المسلمين هي تلك البقعة من الأرض التي يجد فيها المسلم فيها نموذجاً حياً يحمل الإسلام غضاً طرياً، وليس مجرد مجموعة من التعاليم الجافة، أوالتقاليد الموروثة، أوالمظاهر الخادعة.
قبلة المسلمين هي ذلك الموطن الذي يٌعلمنا النصر في زمن الانكسار، ويُعلمنا الصمود في زمن الانبطاح، ويعلمنا الرجولة في زمن الخيانة، ويُعلمنا الشرف في زمن الدياثة، فهو المكان الذي يُلهم الأمة صموداً وثباتا ، وتتطلع إليه أنظارها ثقة ويقيناً.
قبلة المسلمين هي ذلك المجتمع الذي تجد فيه طبيعة المعركة واضحة عند الجميع لاتحتاج إلى شروح ، ورابطة الانتماء فيه متينة لا يعتريها تصدع ولاشروخ، وقوة الشكيمة وعظيم التضحية سمة فيه لكل الشرائح بلا رضوخ.
قبلة المسلمين هي تلك المدينة التي تجد فيها لعمرو بن العاص أشباها، ولخالد بن الوليد نظائر، ولابي عبيدة بن الجراح أحفادا، ولصلاح الدين أندادا، ولسعد بن أبي وقاص إخوانا ، ولكثيرين لايعرفهم عمر وليس لهم آلاف المعجبين ولاملايين المتابعين، ولا تعرفهم وسائل التواصل، ولا منصات الإعلام، وإنما يكتفون بإن الله يعلم نقاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم، وصدق بذلهم .
قبلة المسلمين هي ذاك المكان الذي إذا أردت التعبير عن عزة المسلمين ذكرته بلا تررد ، وإذا أردت التشرف بنجاح المسلمين وفلاحهم ذكرته بلا منافس، واذا أردت نموذجا لتشرح للناس معالم المجتمع الذي تنشده لم ينازعك في مكانته أحد.
قبلة المسلمين هي ذاك المحراب الذي يُتلى فيه القران أناء الليل وأطراف النهار، وتلك البلد التي تٌعد قيادته خطة استراتيجية لحفظ الكتاب الكريم، وتلكم البيئة التي يتنافس فيها الرجال والنساء أيهم يختم أولا، وأيهم يُجاز بأكبر عدد من القراءات.
قبلة المسلمين هي تلك الأرض التي أٌريقت عليها من أجل الدين أنهار الدماء، وتُقدم نيابة عن الأمة ألاف الشهداء ، والحاضنة التي تعرف قدرالعلماء، والبيئة التي تتنافس فيها البيوت والعائلات أيهم يقدم العدد الأوفر من الصادقين الأوفياء.
قبلة المسلمين هي ذلك المكان الذي إن أراد المسلم أن يتحدث عن العزة لم يجد له نظيراً، وإن أرد أن يغيظ الكفار فلن يجد لمجاهديها مثيلاً، وإن أراد أن يتحدث عن الشجاعة فلن يجد كأهلها أسودا، وإذا أراد أن يتحدث عن رشد القيادة فلن يجد كقيادتها رشيدا.
قبلة المسلمين هي ذاك المكان الذي لا يُعتقل فيها العلماء ولايٌوالى فيها الأعداء، ولايُنافق فيه الدعاة والفقهاء، ولا يُذبح فيه الأبرياء، ولا يُستولي فيه على سدة الحكم غلمان سفهاء.
إنها غزة المباركة التي جمعت خيري الدنيا والآخرة، فأضحت نبراساً يضيئ للأمة طريقها، ويرسم لها معالم نجاحها، ويناديها في كل الأزمنة والعصور: أنهضي يا أمتي حي على الجهاد، أنهضي يا أمتي حي على الفلاح.
وأخيراً فإن على الأمة أن تٌسارع نحو رايتها التي طالما أرتوت بدماء الشهداء، وأن تُدافع عن قبلتها التي تهوي إليها أفئدة الأصفياء، وأن تستعد لتنال شرف الانتساب لكتائب الأوفياء، قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
على الأمة أن تتأهل لساعة الفرصة السانحة، وأن تتأهب لاستحقاق الاستخدام والاستعمال، وكما في الأثر: إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله.
لقد جعل الله من غزة حجة على العالمين ، فقد جمعوا من الأنقاض أحجاراً تُرهب جحافل المغتصبين ،وصنعوا رغم الحصار صواريخ تدك حصون المعتدين ، وأعدوا في ظلمة الأنفاق أسودا تزأرفتزلزل أركان المتكبرين، فلا عذر لمتكاسل، ولاحجة لخانع، ولا فلاح لمستثقل ضريبة الشرف والفخار.
أضف تعليقك