في الفترة المواكبة لبدء العام المالي الحالي (2019/2020) للموازنة المصرية في بداية شهر تموز/ يوليو الماضي، تكررت إشادات وزير المالية المصري وغيره من المسؤولين بالنمو المرتقب بنسبة 10.6 في المئة للمصروفات في الموازنة الجديدة، والذي سينعكس على أبواب تلك المصروفات بنمو مخصصات الاستثمار الحكومية في المرافق والخدمات الجماهيرية بنسبة 42 في المئة، ونمو مخصصات مستلزمات الجهات الحكومية، من وقود وأدوات كتابية وأدوية وتغذية وصيانة وغيرها، بنسبة 25 في المئة، وكذلك نمو مخصصات أجور العاملين في الحكومة بنسبة 11.5 في المئة،
إلا أن نتيجة أداء النصف الأول الفعلي من موازنة العام المالي الحالي، والممتد من شهر تموز/ يوليو وحتى شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضيين، جاءت مختلفة تماما عما تم الوعد به، سواء في المصروفات أو الإيرادات التي تم الترويج لزيادتها بنسبة 15 في المئة، نتيجة زيادة متوقعة في حصيلة الضرائب بنسبة 11 في المئة وزيادة في الإيرادات غير الضريبية بنسبة 26 في المئة.
فقد جاءت نتيجة أداء النصف الأول من العام المالي الحالي، لتشير إلى تراجع شامل عن تلك المستهدفات، سواء في المصروفات أو الإيرادات، حيث تراجعت المصروفات بنسبة 21 في المئة عما تم التبشير به، فبلغت 622 مليار جنيه مقابل 787 مليار جنيه كان من المفترض أن تبلغه خلال نصف العام.
ونفس الأمر للإيرادات التي بلغت 390 مليار جنيه مقابل 567 مليار جنيه كان من المفترض أن تبلغها، بنسبة تراجع 31 في المئة عن المستهدف، وهو أمر يرتبط بحالة الركود التي تخيم على الأسواق المصرية وتؤثر على مبيعات الشركات وبالتالى على أرباحها وما تدفعه من ضرائب ورسوم.
وبررت وزارة المالية في تقرير لها تراجع الحصيلة الضريبية بنسبة 29 في المئة عما كان مستهدفا لها؛ بوجود موسمية كبيرة في الحصيلة الضريبية والتي تزيد (حسب تصورها) بالتوافق مع موسم تقديم الإقرارات الضريبية خلال الفترة من شهر كانون الثاني/ يناير وحتى نيسان/ أبريل.
انخفاض حصيلة ضرائب الدمغة والجمارك
لكنها تجاهلت انخفاض حصيلة الضريبة على القيمة المضافة إلى 72 مليار جنيه خلال نصف العام، بينما كان من المفترض أن تبلغ خلاله 105 مليارات جنيه، وهي ضريبة يجري تحصيلها على مدار العام وليست مرتبطة بموسم معين.
ونفس الأمر مع حصيلة الضرائب الجمركية التي تتحقق بمجرد إتمام العمليات الاستيرادية على مدار العام، والتي حققت 18 مليار جنيه مقابل 26 مليار جنيه كانت مستهدفة.. ونفس الأمر لحصيلة ضريبة الدمغة التي تتم على مدار العام، خاصة على استهلاك الغاز والكهرباء والبوتجاز، وعلى الإعلانات وعلى الأعمال والمحررات المصرفية وعلى التأمين، والتي بلغت حصيلتها أقل من ستة مليارات جنيه مقابل أكثر من 11 مليارا كانت مستهدفة.
ونفس الأمر بالإيرادات غير الضريبية التي بلغت 86 مليار جنيه مقابل 137 مليار جنيه كانت مستهدفة، بانخفاض الأرباح القادمة من الهيئات الاقتصادية ومن شركات القطاع العام ومن شركات قطاع الأعمال العام، ومن أرباح قناة السويس، وكذلك من هيئة البترول التي بلغت الحصيلة من أرباحها أقل من ملياري جنيه مقابل حوالي 10 مليار جنيه كانت مستهدفة في نصف العام، كما انخفضت إيرادات الخدمات، سواء من الخدمات الزراعية والصحية والتعليمية والاجتماعية والطرق والمواصلات وغيرها.
ونتيجة تراجع الإيرادات عن المستهدف اضطرت وزارة المالية إلى خفض مخصصات بنود المصروفات، حيث انخفضت مخصصات شراء السلع والخدمات الخاصة في الجهات المحكومية بنسبة 19 في المئة عن المستهدف، كما انخفضت المخصصات بنسبة 39 في المئة عن المستهدف بالاستثمار الحكومية في مجالات البنية الأساسية والمرافق.
فالمباني السكنية التي كان من المفترض أن تحصل على أكثر من 12 مليار جنيه حصلت على أقل من 4 مليارات جنيه، والتشييدات التي كان من المفترض أن تحصل على أكثر من 38 مليار جنيه حصلت على 27 مليار جنيه، مما زاد من شكاوى المقاولين من تأخر مستحقاتهم لدى الجهات الحكومية واضطرارهم للاقتراض المصرفي لسداد ما عليهم من التزامات. وكان من المفترص أن تحصل الآلات والمعدات على أكثر من 22 مليار جنيه، لكنها حصلت على تسعة مليارات جنيه، ونفس الأمر لوسائل النقل والانتقال ودراسات المشروعات الاستثمارية.
أكبر معدلات الانخفاض بمخصصات الدعم
وظهر أثر الانخفاض واضحا على مخصصات الدعم، التي كان من المفترض أن تصل إلى 164 مليار جنيه بنصف العام لتحصل فقط على أقل من 76 مليار جنيه، وانعكس ذلك النقص على كافة نوعيات الدعم. فدعم السلع التموينية التي يتم صرفها على البطاقات التموينية حصل على 25 مليار جنيه من مستهدف 44.5 مليار جنيه، ودعم تنشيط الصادرات حصل على 1.4 مليار جنيه مقابل ثلاثة مليارات جنيه تم الوعد بها.
وهذا مما زاد من شكاوى المصدرين الذين برروا تراجع الصادرات غير البترولية في العام الماضي، بعدم صرف مستحقاتهم المتأخرة لدى الحكومة منذ سنوات من الدعم التصديرى، إلى جانب ارتفاع الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي وارتفاع تكلفة التمويل، ما قلل من تنافسية الصادرات المصرية.
وشمل نقص مخصصات الدعم عن المستهدف؛ دعم الكهرباء التي لم تحصل على شيء من مبلغ ملياري جنيه كان من المفترض حصولها عليها، وكذلك دعم المزارعين، ودعم التأمين الصحي والأدوية، ودعم إسكان محدودي الدخل والإسكان الاجتماعي، ودعم المواد البترولية، ودعم تنمية الصعيد الذي لم يحصل على شيء خلال نصف العام.
جاء ذلك رغم وجود بعض العوامل التي ساعدت على تقليل المصروفات عما تم توقعه لها، نتيجة انخفاض أسعار البترول خلال العام الماضي، ليصل متوسط سعر برميل برنت إلى 64 دولار، بينما كان مقدرا له في الموازنة 68 دولارا، كذلك بلوغ متوسط سعر طن القمح خلال العام الماضي إلى 212 دولار مقابل 214 دولار تم تقديره له في الموازنة، أيضا انخفاض سعر الفائدة عما تم تقديره لها خلال العام الماضي، مما قلل من مصروفات فوائد الديون.
زيادة نسبة العجز الكلي بالموازنة
وكل تلك الوفورات كان ينبغي أن تنعكس على مخصصات الإنفاق الاجتماعي التي وعدت الموازنة والحكومة بتخصيص الموارد المناسبة له، في ظل وقوع ثلث سكان البلاد تحت خط الفقر حسب الإحصاءات الرسمية، لكن ما حدث عمليا كان مغايرا لذلك.
وللتغطية على ما حدث من عدم تحقق مستهدفات موازنة العام المالي الحالي، لجأت وزارة المالية لمقارنة ما تم في النصف الأول من العام المالي الحالي، بما تم بالنصف الأول من العام المالي السابق، للخروج بأية نتائج تشير إلى لوجود تحسن، حيث زادت الإيرادات وفق تلك المقارنة بنسبة نصف في المئة، نتيجة زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة واحد بالألف، وزيادة الايرادات غير الضريبية بنسبة 2 في المئة.
أما على جانب المصروفات فلم تفلح تلك النوعية من المقارنة في تحسين الصورة لكل بنود المصروفات، حيث أسفرت عن انخفاض مخصصات الدعم بنسبة 32 في المئة عما كانت عليه في النصف الأول من العام المالي السابق.
ولم تفلح تلك المقارنة في تحسين الصورة، بل إنها كشفت عن نمو العجز الكلي بنسبة 6 في المئة وانخفاض نسبة كل من الإيرادات والمصروفات إلى الناتج المحلي، بل وزيادة كل من نسبة العجز النقدي والعجز الكلي إلى الناتج المحلي الإجمالي، في النصف الأول من العام المالي الحالي عما كانت عليه في النصف الأول من العام المالي السابق!
أضف تعليقك