اجتمع العرب في العام 1948 على قرار واحد بتشكيل مجموعات قتالية ضد الاستعمار الصهيوني لأرض فلسطين، فيما عرفت بالنكبة، وبعد 72 عامًا بالتمام والكمال يبدو العرب أقرب إلى تشكيل قوة موحدة للقتال ضد رافضي الاستعمار الصهيوني لفلسطين.
النكتة التي أطلقها مغرد ساخر أخيرا عن تنديد السعودية بممارسات الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا يبدو في الأفق أنها ستبقى نكتة، إذ كل الوقائع والمؤشّرات تقول إن عواصم الحكم العربية باتت قريبة للغاية من اتخاذ إجراءات ضد الممتنعين عن التطبيع والرافضين مشروع صفقة القرن، وإن صبر الحكام العرب بدأ ينفد، بمواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية التي تعكّر صفو العلاقة بينهم وبين الكيان الصهيوني.
واندفاع الأمور في هذا الاتجاه ليس وليد اليوم، أو الأمس القريب، بل هو معلنٌ وداخل حيز التنفيذ منذ خمس سنوات على الأقل، ويتنافس في خدمته كثيرون، لا يخجلون من إعلان موافقتهم على ريادة إسرائيل المنطقة، وكان الأسبق في هذا المضمار الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي يجمع على حبه وأهمية دعمه كل الصهاينة، وبالأخص حاخاماتهم وجنرالاتهم.
قبل أكثر من أربع سنوات، كشف موقع صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية الصهيونية أن السيسي أكّد، أمام قادة التنظيمات اليهودية الأميركية، إعجابه بشخصية نتنياهو وقدراته القيادية. وكتب مراسل الصحيفة، تسفيكا كلاين، إن قادة "لجنة رؤساء" المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة أبلغوا نتنياهو خلال لقائهم به، على هامش اجتماع نظمته اللجنة في القدس المحتلة، إن السيسي أبلغهم، خلال لقائه بهم في القاهرة، أن "نتنياهو قائد ذو قدرات قيادية عظيمة، وهذه القدرات لا تؤهله فقط لقيادة دولته وشعبه، بل إنها كفيلة بأن تضمن تطور المنطقة وتقدم العالم بأسره".
حسنًا، ها هو الجنرال الحاكم للشقيقة الكبرى يخلع عنها ثوب الريادة ويلبسه لإسرائيل/ نتنياهو ليأتي بعده، سائرًا على خطاه محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، الذي تلقى على يد السيسي الدرس الأول في كيفية الوصول إلى الحكم عبر بوابة إسرائيل، فتبدأ الحكاية باستضافة ترامب والعائلة في الرياض، لتدشين تحالف" اعتدال" الذي طرح فكرته وصاغها وبلورها قبل ذلك بسنوات بنيامين نتنياهو، ثم يطير ترامب بأكثر من 450 مليار دولار من السعودية، ليهبط مرتديًا طاقية الحاخامات في القدس المحتلة.
في العام 2018 ، واستباقًا لاستضافة سعودية بن سلمان"قمة الظهران"، أجرى ولي العهد حوارًا مع مجلة أتلانتيك الأميركية، أعلن فيه التطابق التام مع الرؤية الصهيونية لمنطقة الشرق الأوسط، من حاخامات التطرّف إلى جنرالات العدوان، مروراً بصقور الكنيست وحمائمه، موزّعاً قبلاته وهداياه المجانية، بذهابه إلى أن كل ما حوله أعداء، باستثناء الكيان الصهيوني، وما يسمى "محور اعتدال" المكون من رباعي الحصار على قطر، وتوابعه.. فيقول نصاً "فنحن في منطقةٍ لا تحيط بها المكسيك وكندا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي. بل لدينا تنظيم {داعش} و{القاعدة} و{حماس} و{حزب الله} والنظام الإيراني، وحتى قراصنة".
اتخذ هذا التصور شكلًا إجرائيًا، حين صدرت صحيفة الرياض، لسان حال النظام السعودي قبل القمة بافتتاحية تقول: اليوم لا خيار أمام العرب سوى المصالحة مع إسرائيل، وتوقيع اتفاقية سلام شاملة، والتفرّغ لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، وبرنامجها النووي، ووضع حد لتدخلاتها في الشؤون العربية، وهو خيارٌ لا يقبل أي تبرير أو تأخير، أو حتى مساومات ومزايدات على القضية الفلسطينية؛ لأن إيران تشكّل تهديداً مباشراً على الكل".
هكذا، بلا مواربة، ومبكرًا جدًا، سلمت عاصمتا أكبر دولتين عربيتين شارة القيادة وعباءة الريادة لإسرائيل، حتى وصلنا إلى مرحلةٍ بات معها بنيامين نتنياهو مخوّلًا، وحده، بالكلام عن رحلات الحج من الكيان الصهيوني إلى المطارات السعودية، مبشرًا بأن الإسرائيليين سيحلقون في سماء السعودية قريبًا، وهي المرحلة ذاتها التي ربما يجد فيها العسكري المصري نفسه مكلفًا بالحرب ضد الشعب الفلسطيني، إذا ما تعرّض خط الغاز الواصل من الاحتلال إلى مصر لضرر أو خطر، حال اندلاع انتفاضة في المناطق التي يمر بها.
ي بؤس ينتظر أمةً تتصارع مع نفسها على من يخدم عدوّها أكثر؟
أضف تعليقك