بقلم: صادق أمين
بعد تناول وجبة من الأطعمة المتنوعة واللحم الشهي تعْلَق بعض بقايا الطعام بالأسنان، فيسارع الناس إلى فرشاة الأسنان يسكبون عليها من أنابيب المعجون ويأخذون في غسل أسنانهم ولو غفلوا عن غسلها فترة من زمان دفعتهم بالرائحة الكريهة والآلام إلى التنظيف دفعًا.. هلا قرأنا الدرس المسطور على فرشاة الأسنان والمعجون.
إننا ننظف أفواهنا من بقايا اللحم الشهي ونغفل عن تنظيفها من اللحم الكريه.. بل إن لساننا بحاجة إلى فرشاة من لون خاص.. تنظفه وتمنعه عن الخوض في الباطل والأعراض وغيرها من المهلكات.
لعلك أخي قد ارتسمت في مخيلتك تلك الصورة التي رسمتها الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ (الحجرات: من الآية12) .. فكم نأكل لحوم الناس بالحديث عنهم بما يكرهون, كم نقلب الكلمات الخبيثة بألسنتنا في أفواهنا!!.
شاهد معي هذا الموقف العجيب المدهش الذي أخرجه أبو داود والنسائي في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- لما رجَم رسول الله صلى الله عليه وسلم- ماعزًا في الزنا، قال رجلٌ لصاحبه: هذا أقعص كما يقعص الكلب، فمرَّ صلى الله عليه وسلم - وهما معه - بجيفةٍ قال: انهشا منها، فقالا: يا رسول الله ننهش جيفة؟ فقال: "ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه".
أرأيت أخي بشاعة تلك الكلمات التي نقولها في حق الناس ولربما يقول أحد مبررًا خطأه: أنا لا أقول في الناس إلا ما هو فيهم من العيوب، أقول له: استمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الغيبة في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال صلى الله عليه وسلم: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلى الله عليه وسلم: "إنْ كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإنْ لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
وربَّ كلمات نقلبها في أفواهنا لا نُلقي لها بالاً تكون من غضب الله تهوي بنا في النار سبعين خريفًا، روى الإمام أحمد- رضى الله عنه- عن بلال بن الحارث المزني- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالي ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالي ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه".
فإن أمسكت بيدك ما تنظف به أسنانك من فرشاة أو سواك فاقرأ تلك المعاني العالية الغالية واتخذ منها ناصحًا رشيدًا يهتف بك: إذا نظفت فمك من بقايا ما اشتهيت من الطعام فنظفه من الذنوب والآثام.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُب قائم حظه من قيامه السهر"، وعن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا فكادتا أن تموتا من العطش، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنهما، ثم ذُكرتا له، فأعرض عنهما، ثم دعاهما فأمرهما أن يتقيئا فتقيّئتا ملء قدح من قيح ودم ولحم عبيط! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هاتين صامتا عما أحل الله، وأفطرتا على ما حرم الله عز وجل عليهما: جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس.
أرأيت أخي قوله عليه الصلاة والسلام: صامتا عما أحل الله، وأفطرتا على ما حرم الله فجعل هذا فطرا ، كون الإنسان يأكل أعراض الناس، وكونه يتكلم في فلان وفلان بغير حق، فإن هذا لم يستفد من صومه، حيث صام عن الحلال، وأفطر على الحرام - والعياذ بالله - فلم ينتفع بصومه.
ولا شك أن الصوم الذي هذه آثاره لا ينتفع به صاحبه ولا يفيده ؛ فإن الصوم الصحيح يجادل عن صاحبه ويشهد له يوم القيامة ويشفع له عند الله . فإن لم يحفظه لم يستفد منه ولم يؤجر عليه.
يقول بعضهم:
إذا لم يكن في السمع مني تصــاون وفي بصري غضٌّ في منطقي صـمتُ
فحظي إذا مـن صومي الجوع والظمأ وإن قلت: إني صمتُ يومي فما صمتُ
فلا بد أن يكون على الصائم آثار الصيام، كما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الغيبة والنميمة، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
أضف تعليقك