حكايات الاختفاء القسري أصبحت علامة مميزة ومروعة للأوضاع في مصر منذ يوليو 2013 وحتى الآن، المنظمة الحقوقية الرسمية في مصر، التي أنشأتها الدولة وخصصت لها ميزانيات من المال العام، المجلس القومي لحقوق الإنسان، أصدر تقريرا قبل شهرين تقريبا، رصد فيه بالاسم والعنوان والبيانات الكاملة قائمة الأشخاص المختفين قسريا، وقال إن من أحصاهم حتى عام 2015 وصل إلى أكثر من ثلاثمائة مواطن مصري، لا يعرف أحد أين اختفوا، والبعض وصلت إليه إشارات من مجهولين بأن ذويهم محتجزون في هذا السجن أو مركز أمني أو مقر تابع للأمن الوطني، دون قدرة على التحقق من تلك المعلومات، وهذا ما أثبته المجلس القومي في تقريره المنشور على موقعه ويمكن الرجوع إليه على الرابط التالي: تقرير "القومي لحقوق الإنسان" عن الاختفاء القسري في مصر. ولك أن تتخيل أن المجلس القومي، الذي أنشأته الدولة ومنحه القانون الصلاحيات كافة، عاجز عن الوصول إلى أي معلومات من أي مصدر رسمي عن هؤلاء المختفين، فكيف بذويهم العاديين؟!
بطبيعة الحال استفحل الأمر في عام 2016 وتفاقم، لدرجة أن بعض المنظمات الحقوقية الأهلية تقدر عدد المختفين قسريا حتى الآن بأكثر من تسعمائة مواطن، والاتهام الأول والمباشر موجه بطبيعة الحال إلى المؤسسة الأمنية، سواء بمسؤوليتها المباشرة عن خطف هؤلاء واحتجازهم خارج إطار القانون وخارج المنشآت التي حددها القانون للاحتجاز، أو بمسؤوليتها المباشرة عن البحث عن هؤلاء المختفين؛ لأن ذلك ـ ببساطة ـ أحد أهم مسؤوليات الدولة تجاه مواطنيها، ويفترض أن أي بلاغ باختفاء مواطن يحمل السلطة وأجهزتها مسؤولية البحث عنه والإعلان عن نتائج البحث.
الاختفاء القسري أخطر كثيرا من الاعتقال أو الاحتجاز حتى بقوانين الطوارئ، لأن الاختفاء القسري يفقد الإنسان أي ضمانات بما فيه ذلك ضمانة أن يبقى على قيد الحياة، فهو ـ رسميا ـ غير موجود، ناهيك عن أي ضمانات حقوقية أخرى، ولذلك تشددت فيه القوانين الدولية واعتبرته من أخطر الاتهامات التي لا تسقط بالتقادم ويتعرض مرتكبوها لعقوبات شديدة القسوة. الرسالة التالية وصلت إليّ من ذوي أحد هؤلاء المختطفين قسريا، يقول في سطور رسالته : (في ليلة 27/ 12 /2015 كان المواطن: عبده محمد محمد عرفات (الذي ليس له ثمة اتجاه سياسي، إلا أنه ملتح بحكم سنه الذي تعدى 55 عاما)، كان في زيارة لابنته المقيمة في مدينة نصر.
وفي حوالي الساعة العاشرة مساء من اليوم نفسه، خرج هذا المواطن لشراء بعض الهدايا لابنته وأسرتها (فاكهة وخلافه). وصادف مرور ميكروباص به رجال يرتدون الزي المدني، وقاموا باستيقافه وسؤاله عن هويته، وقاموا بإدخاله إلى الميكروباص وأخذوه إلى جهة غير معلومة (حسب رواية شهود عيان من المنطقة)، طوال الليل بحثت الأسرة في كل مكان في المنطقة ولكن دون جدوى. توجهت الأسرة في صباح اليوم التالي للسؤال عنه في قسم أول مدينة نصر، وعندما رأى أمناء الشرطة صورته أخبرونا بأنه موجود وممسوك تحري، وقالوا لنا: انتظروا لحد ما رئيس المباحث يأتي بعد الساعة الثالثة. وقاموا بإخراجنا من القسم، توجهنا عصرا إلى القسم، قال لنا الباشا رئيس المباحث: قريبكم ممسوك تحري، بس لأنه ملتحي لازم الأمن الوطني يتحرى عنه، وروحوا وتعالوا بكرة. توجهنا في اليوم التالي عصرا، ودخلنا للباشا طلب مننا بطاقتنا (زوجته، وبنته، وزوج بنته، وأخوه) وفضلنا في القسم إلى الساعة العاشرة مساء ومعانا طفل رضيع، شبه محتجزين (وأخذوا كل متعلقاتنا الشخصية)، وبعدين كانت الإجابة: أنه غير موجود في القسم، ولما سألنا رئيس المباحث: حضرتك قلت إنه موجود وبتتحروا عنه لأنه ملتح، ونفس الكلام قالوه لنا الأمناء. كانت الإجابة: دا واحد شبهه، وروحوا أحسن لكم.. ومن يومها إلى الآن (حوالي ثمانية أشهر) ونحن نبحث عنه في كل مكان ( أقسام، مستشفيات، مشارح،.....) وقدمنا شكوى لحقوق الإنسان (اختفاء قسري)، وهو موجود في الصفحة 35 من تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، وكان الجواب: إنه غير محتجز في أي مكان أمني.
وصلنا إلى محام كبير له علاقته في أمن الدولة وأخذ مبلغا كبيرا من المال، وقدر يوصلنا معلومة: إن قرينا محتجز في مقر الأمن الوطني بمدينة نصر. وكانت النتيجة: تم فصل المواطن: عبده محمد محمد عرفات، من عمله بسبب انقطاعه دون عذر، وضاع دخل الأسرة الوحيد، والأسرة مشردة في الطرقات للبحث عنه، وهذا غير التعب النفسي والقلق، والمشاكل التي حدثت في الأسرة بسبب تغيبه) انتهت الرسالة، التي ختمها صاحبها بوضع رقم هاتفه وبياناته، كما أشار إلى ملاحظة غريبة، وهي أن الأسرة لم تكن من معارضي السيسي ولا النظام أبدا، بل إن المختفي كان من الذين انتخبوا السيسي عندما ترشح للرئاسة.
أضف تعليقك