فارق كبير بين الأماني والوقائع، يبدو ذلك واضحا في الخلاف المصري السعودي مؤخرا، خاصة بعد تصويت مصر في الأمم المتحدة لصالح قرار روسي إيراني يتصادم مع المصالح السعودية، وهو ما ظهر رد فعله السلبي سريعا على المسئولين السعوديين، وردت عليه أذرع السيسي أيضا، فظهر وكأنه خلاف عميق بين الطرفين.
ربما تمنى رافضو الانقلاب العسكري في مصر المدعوم من السعودية وقوع هذا الخلاف الحقيقي عله يكون سببا في نزع الغطاء السعودي وتاليا الخليجي عن سلطة السيسي فيسهل التخلص منها، لكن الواقع أن ما يجمع النظامين المصري والسعودي حاليا أعمق -وإن لم يكن أكثر - مما يفرقهما.
العدو الأول لكلا النظامين هو الإسلاميين، فالمملكة تضع الإخوان حتى الآن كعدو أول سابقا للعدو الصهيوني والنظام الإيراني الذي يبدو ظاهريا أنه العدو الراهن، والنظام المصري يعتبر الإخوان أيضا وعموم التيار الإسلامي السياسي هم الخطر الرئيسي الذي يهدده، ولم يعد يضع العدو الإسرائيلي في خانة الأعداء أصلا بل نقله إلى خانة الأصدقاء الحميمين، وإذا كان النظامان المصري والسعودي يختلفان بشكل ظاهر في الملف السوري وبشكل خفي في الملف اليمني، فإن الرابط بين هذين الملفين هو الدور الإيراني الذي ترفضه المملكة بينما لا ترى مصر بأسا بالتعاطي الإيجابي معه.
بشكل عام يمكن القول إن الخلاف بين النظامين ينصب على قضايا إقليمية تمس السياسة الخارجية لكلتا الدولتين أما المصلحة المشتركة الأعمق فهي تمس النظامين الحاكمين مباشرة (الأسرة الحاكمة في السعودية) والطغمة الحاكمة في مصر، فكلا النظامين لم يأتيا نتيجة عملية ديمقراطية، بل تغلبا بالسيف والبندقية ولذا فإن مصلحتهما المشتركة هي مواجهة أي مد ديمقراطي في المنطقة لأن السماح به يعني التضحية بكلا النظامين سريعا، ومن هنا فإن الخلافات في الملفات الإقليمية يمكن التعايش في ظلها، أما في ظل وجود الخطر الديمقراطي فلا حياة بالأساس لكلا النظامين، ولذا فإن المصلحة الشخصية المباشرة للعائلة أو للحاكم الفرد تسبق مصلحة الأوطان وأمنها القومي، وعلاقاتها وسياساتها الخارجية.
تدرك السعودية أنها ضخت المليارات لإبقاء نظام السيسي على قيد الحياة، ولولا هذا الدعم لكان قد انهار فعلا، وتدرك أنها لم تدفع تلك المليارات من أجل سواد عيون عبد الفتاح السيسي ورفاقه الجنرالان ، لكنها دفعتها كإنفاق دفاعي لحماية العرش السعودي من الخطر الديمقراطي الذي مثلته الثورة المصرية وثورات الربيع العربي بشكل عام، والذي قام فيه السيسي وعصابته بوأد هذه الديمقراطية بالأصالة عن نفسه وعسكره وبالوكالة عن السعودية وبقية المشيخات الخائفة.
وتدرك السعودية أيضا أن تفريطها في نظام السيسي سيدفعه للارتماء أكثر في أحضان إيران وحلفها، وقد أظهر الجنرال مؤشرات قوية لذلك منها لقاء وزير خارجيته مع نظيره الإيراني ومنها اقترابه عموما من الرؤية الإيرانية في غالبية الملفات الإقليمية وهو ما دفع إيران لاشتراط وجود الوفد المصري في المحادثات الإقليمية الدولية بشأن سوريا في لوزان كشرط لحضور إيران لهذه المباحثات، وهو ما يعني ثقة إيرانية كبيرة بالموقف المصري، وأنه سيسهم في إحداث توازن أو حتى رجحان لصالح الموقف الإيراني الروسي.
ويدرك نظام السيسي أنه رغم تقاربه مع المعسكر الإيراني الروسي إلا أن مدده المالي الحقيقي في السعودية ومن وراءها من دول الخليج، وهذا المدد المالي هو ما يبقيه ويبقي حكمه على قيد الحياة ولو لبعض الوقت، وهو ما لا يستطيع الحصول عليه حتى الآن على الأقل من المعسكر الآخر (إيران-روسيا) رغم أن هواه العسكري يميل له، كما أن رغبة النظام السعودي في استئصال التيار الإسلامي رغبة أصيلة تتلاقى مع رغبة السيسي حتى وإن اضطرت المملكة للتعامل مؤقتا مع بعض فروع هذا التيار لحساباتها اللحظية، وذلك على عكس الموقف الإيراني الذي يسعى جاهدا لبناء علاقات مع القوى الإسلامية ومنها جماعة الإخوان التي ترفض هذه المساعي.
ما نراه الآن من مناوشات إعلامية أو حتى سياسية بين النظامين السعودي والمصري هو نوع من الانفعالات السطحية السريعة، التي ما تلبث أن تتحطم على صخرة المصلحة المشتركة (وهي أمن النظامين لا الدولتين)، وهذه الحملة الإعلامية الواسعة في مصر ضد السعودية هي حملة مدارة بالريموت كنترول، الذي يمسكه شخص أو جهة ما (معروفة طبعا)، وبمجرد وصول (الرز) سيغلق الريموت هذه الحملة، وستتحول الأصوات الزاعقة ضد السعودية إلى ألسنة تلهج بحمدها كما كانت من قبل.
لا يمكن تصديق أن العداء عميق بين النظامين السعودي والمصري، إلا إذا أصلح النظام السعودي خطيئته التاريخية وهي دعم الانقلاب، وذلك لا يكون إلا بالاعتراف بالخطأ، ورفع الغطاء المالي والسياسي عن نظام السيسي، وتركه وحيدا في مواجهة الشعب المصري، فهل يفعلها النظام السعودي؟
أضف تعليقك